من كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى

00:32 - 2015/11/21

الملخص: إن سأل سائل عن قوله تعالى: وَ مَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى‏ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى‏ وَ أَضَلُّ سَبِيلًا؛ [الإسراء: 72] فقال: كيف يجوز أن يكونوا فى الآخرة عميا، و قد تظاهر الخبر عن الرسول عليه و آله السلام بأنّ الخلق يحشرون كما بدئوا سالمين من الآفات و العاهات، قال اللّه تعالى: كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ‏؛ [الأعراف: 29]، و قال عزّ و جل: كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ‏؛ [الأنبياء: 104]، و قال جلّ و علا: فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ؛ [ق: 22]. الجواب، يقال فى هذه الآية أربعة أجوبة:

اعمى،مكفوف،ضرضر

إن سأل سائل عن قوله تعالى: وَ مَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى‏ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى‏ وَ أَضَلُّ سَبِيلًا؛ [الإسراء: 72] فقال: كيف يجوز أن يكونوا فى الآخرة عميا، و قد تظاهر الخبر عن الرسول عليه و آله السلام بأنّ الخلق يحشرون كما بدئوا سالمين من الآفات و العاهات، قال اللّه تعالى: كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ‏؛ [الأعراف: 29]، و قال عزّ و جل: كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ‏؛ [الأنبياء: 104]، و قال جلّ و علا: فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ؛ [ق: 22].

الجواب، يقال فى هذه الآية أربعة أجوبة:

أحدها أن يكون العمى الأول إنما هو عن تأمّل الآيات، و النظر فى الدّلالات و العبر التى أراها اللّه المكلّفين فى أنفسهم و فيما يشاهدون، و يكون العمى الثانى هو عن الإيمان بالآخرة، و الإقرار بما يجازى به المكلّفون فيها من ثواب أو عقاب، و قد قال قوم: إن الآية متعلّقة بما قبلها من قوله تعالى: رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ‏؛ [الإسراء: 66] إلى قوله تعالى: وَ لَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَ حَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَ رَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَ فَضَّلْناهُمْ عَلى‏ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا؛ [الإسراء: 70]، ثم قال بعد ذلك: وَ مَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى‏ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى‏ وَ أَضَلُّ سَبِيلًا؛ يعنى‏  فى هذه النعم، و عن هذه العبر، فهو فى الآخرة أعمى؛ أى هو عمّا غيّب عنه من أمر الآخرة أعمى، و يكون قوله: فِي هذِهِ‏ كناية عن النّعم لا عن الدنيا و يقال: إن ابن عباس رحمة اللّه عليه سأله سائل عن هذه الآية فقال له: اتل ما قبلها، و نبّهه على التأويل الّذي ذكرناه.

و الجواب الثانى: مَنْ كانَ فِي هذِهِ‏ يعنى الدنيا أَعْمى‏ عن الإيمان باللّه و المعرفة بما أوجب عليه المعرفة به؛ فهو فى الآخرة أعمى عن الجنة و الثواب؛ بمعنى أنه لا يهتدى إلى طريقيهما، و لا يوصل إليهما، أو عن الحجة إذا سوئل‏ و ووقف، و معلوم أن من ضلّ عن معرفة اللّه تعالى و الإيمان به يكون فى القيامة منقطع الحجة، مفقود المعاذير.

و الجواب الثالث: أن يكون العمى الأول عن المعرفة و الإيمان، و الثانى بمعنى المبالغة فى الإخبار عن عظم ما يناله‏ هؤلاء الكفار الجهال من الخوف و الغم و الحزن الّذي أزاله اللّه عن المؤمنين العارفين بقوله: لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ‏؛ [يونس: 62]، و من عادة العرب أن تسمّى من اشتد همّه و قوى حزنه أعمى سخين العين، و يصفون المسرور بأنّه قرير العين، قال اللّه تعالى: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ‏؛ [السجدة: 17].

و الجواب الرابع: أن العمى الأول يكون‏  عن الإيمان، و الثانى هو الآفة فى العين على سبيل العقوبة؛ كما قال اللّه تعالى: وَ نَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى‏. قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى‏ وَ قَدْ كُنْتُ بَصِيراً. قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَ كَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى‏؛ [طه: 124- 126]. و من يجيب بهذا الجواب يتأول قوله تعالى: كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ‏ على أن المعنى فيه الإخبار عن الاقتدار و عدم المشقّة فى الإعادة؛ كما أنها معدومة فى الابتداء، و يجعل ذلك نظيرا لقوله تعالى: وَ هُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَ هُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ‏؛ [الروم: 27]، و يتأول قوله تعالى‏ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ على أن معناه الإخبار عن قوة المعرفة، و أن الجاهل باللّه فى الدنيا يكون عارفا به فى الآخرة؛ و العرب‏ تقول: فلان بصير بهذا الأمر؛ و زيد أبصر بكذا من عمرو، و لا يريدون إبصار العين، بل العلم و المعرفة؛ و يشهد بهذا التأويل قوله تعالى: لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ، أى: كنت غافلا عمّا أنت الآن عارف به، فلما أن كشفنا عنك الغطاء بأن أعلمناك و فعلنا فى قلبك المعرفة عرفت و علمت.

المصدر: أمالي المرتضى، ج1، ص87

كلمات دلالية: 

نظرات

صورة خالد حسين
أضافه خالد حسين في

تحليل رائع واضيف وجهه نظري بان الانسان الذي ينظر الي الدنيا ولا ينظر الي السماء فانه يصيبه العمي البصيري لا البصري لان الدنيا لا تصلح للنظر والتمحص الا ما كان منها من امر التكليف كقوله تعالي:فالينظر الانسان الي طعامه ،فالينظر الانسان مما خلق وهذه النظرة تحيله للنظر الي السماء اي يتفكر بامر السماء يراقب الله ويستشعر انه تحت عين الله ونظره فيتقي أن يعصيه وعدم النظر للدنيا لا ىعني بانك لا تراها فالتلسكوب في الفضاء يري الارض كلها بدقة وهو لا يوجد عليها وهكذا المؤمن لا يحتاج لعيونه ليري ما في الدنيا ولكن الي بصيرته لان العين ترسل النظرة الي الاحاسيس والمشاعر والبصيرة ترسلها الي القلب والكثير مما هو علي الارض يمكن أن يفسد النفس اذا نظر المؤمن اليه وهذا الذي ينظر إلي السماء يري كل ما علي الارض ولا يتاثر به لانه مشغول بالنفيس عن الخسيس.

Plain text

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a> <em> <strong> <span> <blockquote> <ul> <ol> <li> <dl> <dt> <dd> <br> <hr> <h1> <h2> <h3> <h4> <h5> <h6> <i> <b> <img> <del> <center> <p> <color> <dd> <style> <font> <u> <quote> <strike> <caption>
  • تتحول مسارات مواقع وب و عناوين البريد الإلكتروني إلى روابط آليا.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
14 + 0 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.