الملخص: و على هذا، فلا يحق للنساء الكشف عن زينتهن المخفية، و إن كانت لا تظهر أجسامهن، أي لا يجوز لهن الكشف عن لباس يتزيّن به تحت اللباس العادي أو العباءة، بنصّ القرآن الذي نهاهنّ عن ذلك و على النساء أن يتحفّظن كثيرا، و يحفظن عفّتهنّ، و يبتعدن عن كلّ شيء يثير نار الشهوة في قلوب الرجال، حتى لا يتهمن بالانحراف عن طريق العفة.
و تناولت الآية التالية شرح واجبات النساء في هذا المجال، فأشارت أوّلا إلى الواجبات التي تشابه ما على الرجال، فتقول: وَ قُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَ يَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ. (النور/ 31)
و بهذا حرم اللّه النظر بريبة على النساء أيضا مثلما حرّمه على الرجال، و فرض تغطيه فروجهن عن أنظار الرجال و النساء مثلما جعل ذلك واجبا على الرجال.
ثمّ أشارت الآية إلى مسألة الحجاب في ثلاث جمل:
1- وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها.
اختلف المفسّرون في تفسير الزينة التي تجب تغطيتها، و الزينة الظاهرة التي يسمح باظهارها.
فقال البعض: إنّ الزينة المخفية هي الزينة الطبيعية في المرأة (جمال جسم المرأة) في حين أن استخدام هذه الكلمة بهذا المعنى قليل.
و قال آخرون: إنّها تعني موضع الزينة: لأن الكشف عن أداة الزينة ذاتها كالعضد و القلادة مسموح به، فالمنع يخص موضعها، أي اليدين و الصدر مثلا.
و قال آخرون: خصّ المنع أدوات الزينة عند ما تكون على الجسم، و بالطبع يكون الكشف عن هذه الزينة مرادفا للكشف عن ذلك الجزء من الجسم. (و هذين التّفسيرين الأخيرين لهما نتيجة واحدة على الرغم من متابعة القضية عن طريقين مختلفين).
و الحق أنّنا يجب أن نفسر الآية على حسب ظاهرها و دون حكم مسبّق، و ظاهرها هو التّفسير الثّالث.
و على هذا، فلا يحق للنساء الكشف عن زينتهن المخفية، و إن كانت لا تظهر أجسامهن، أي لا يجوز لهن الكشف عن لباس يتزيّن به تحت اللباس العادي أو العباءة، بنصّ القرآن الذي نهاهنّ عن ذلك.
و ذكرت الأحاديث التي رويت عن أهل البيت عليهم السّلام هذا المعنى، فقد فسّروا الزينة المخفية بالقلادة و الدملج (حلي يشدّ أعلى الساعد) و الخلخال «1».
و قد فسّرت أحاديث عديدة أخرى الزينة الظاهرة بالخاتم و الكحل و أمثاله، لهذا نفهم بأنّ المراد من الزينة المخفية الزينة التي تحت الحجاب (فتأملوا جيدا).
2- و ثاني حكم ذكرته الآية هو: وَ لْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ و كلمة «خمر» جمع «خمار» على وزن «حجاب» في الأصل تعني «الغطاء»، إلّا أنّه يطلق بصورة اعتيادية على الشيء الذي تستخدمه النسوة لتغطية رؤوسهن.
و «الجيوب» جمع «جيب» على وزن «غيب» بمعنى ياقة القميص، و أحيانا يطلق على الجزء الذي يحيط بأعلى الصدر لمجاورته الياقة.
و يستنتج من هذه الآية أنّ النساء كنّ قبل نزولها، يرمين أطراف الخمار على أكتافهن أو خلف الرأس بشكل يكشفن فيه عن الرقبة و جانبا من الصدر، فأمرهن القرآن برمي أطراف الخمار حول أعناقهن أي فوق ياقة القميص ليسترن بذلك الرقبة و الجزء المكشوف من الصدر. (و يستنتج هذا المعنى أيضا عن سبب نزول الآية الذي ذكرناه آنفا).
3- و تشرح الآية في حكمها الثّالث الحالات التي يجوز للنساء فيها الكشف عن حجابهنّ و إظهار زينتهنّ، فتقول وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا.
1- لِبُعُولَتِهِنَّ.
2- أَوْ آبائِهِنَّ.
3- أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ.
4- أَوْ أَبْنائِهِنَّ.
5- أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ.
6- أَوْ إِخْوانِهِنَّ.
7- أَوْ بَنِي إِخْوانِهِنَّ.
8- أَوْ بَنِي أَخَواتِهِنَّ.
9- أَوْ نِسائِهِنَّ.
10- أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ.
11- أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ أي الرجال الذين لا رغبة جنسية عندهم أصلا بالعنن أو بمرض غيره.
12- أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ.
4- و تبيّن الآية رابع الأحكام فتقول وَ لا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ أي على النساء أن يتحفّظن كثيرا، و يحفظن عفّتهنّ، و يبتعدن عن كلّ شيء يثير نار الشهوة في قلوب الرجال، حتى لا يتهمن بالانحراف عن طريق العفة.
و يجب أن يراقبن تصرفهن بشدّة بحيث لا يصل صوت خلخالهن إلى آذان غير المحارم، و هذا كله يؤكّد دقّة نظر الإسلام إلى هذه الأمور.
و انتهت الآية بدعوة جميع المؤمنين رجالا و نساء إلى التوبة و العودة إلى اللّه ليفلحوا وَ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ و توبوا أيّها الناس ممّا ارتكبتم من ذنوب في هذا المجال، بعد ما اطلعتم على حقائق الأحكام الإسلامية، و عودوا إلى اللّه لتفلحوا، فلا نجاة لكم من كلّ الانحرافات الخطرة إلّا بلطف من اللّه و رحمته، فسلّموا أمركم إليه! صحيح أنّه لا معنى للذنوب و المعاصي- في هذه المسألة- قبل نزول هذه الأحكام من اللّه، إلّا أنّنا نعلم بأنّ قسما من المسائل الخاصّة بالانحطاط الخلقي ذا جانب عقلاني و كما في الاصطلاح أنها من «المستقلات العقلية» و يكفي لوحده في تحديد المسؤولية.
المصدر:
1- تفسير على بن إبراهيم لآخر الآية موضع البحث.
المصدر الاصلي: الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج11، ص: 78