لماذا سکت علي(ع) إزاء الاعتداء على فاطمة الزهراء(س)؟

00:37 - 2016/02/22

الملخص:لا یوجد تنافٍ بینما حصل لفاطمة (ع) و ما کان لعلي (ع) من الشجاعة و الإقدام و البطولة، لأن علیاً (ع) کان بین خیارین: أحدها أن یشهر سیفه و یدافع عن حقوقه و حقوق أهل بیته المستلبة، و ثانیها أن یختار السکوت و السعي لتقویة الإسلام و الحفاظ علیه من جوانب أخرى، و حیث إن إعلان المقاومة و الحرب یتسبب في إضعاف الإسلام و المسلمین مما یؤدي إلى تقویة أعدائه المتربصین به کالرومان و غیرهم، إضافة إلى خلق فرصة لأصحاب النوایا السیئة و المرتدین و لمدعي النبوة، و لذلك رجح الإمام التضحیة بحق زوجته و أبنائه و حقوقه من أجل الحفاظ على الإسلام و ما بذله النبي من جهود في نشره و إبقائه.

لماذا سكت علي عليه السلام

في الوقت الذي یجتمع فیه عدة من أقرباء النبي(ص) و بعض أصحابه في بیت علي(ع) معترضین على ما أفضت إلیه نتائج اجتماع السقیفة و لم یباعوا أبا بکر، أرسل أبو بکر عمر بن الخطاب و أمره أن یأخذ البیعة من جمیع المجتمعین في دار علي(ع)خصوصا من الامام، و قد أثبتت مصادر التاریخ المعتبرة تفاصیل ما أقدم علیه أبو بکر و عمر في هذا الخصوص، و بإمکان الجمیع الرجوع إلیها.[1]
و مع الأخذ بنظر الاعتبار الاختلاف في نقل هذه الحوادث التي نقلت في المصادر المعتبرة لدى أهل السنة و لکن أصل القضیة مسلم لدى الجمیع.[2]
و أما فیما یخص الجواب عن السؤال القائل: لماذا اختار أمیر المؤمنین علي(ع) السکوت إزاء هذه الحوادث و الاعتداءات فلا بد من القول:
إن أمیر المؤمنین وضع أمام خیارین لا ثالث لهما، إما أن یستعین بخاصته و یعلن معارضته للحکومة الجدیدة اللامشروعة في نظره، و بذلك یستعید الخلافة التي اغتصبت بالقوة و إما أن یتحمل الوضع القائم، و یبادر إلى حل مشاکل المسلمین و حمایة الإسلام و الدفاع عنه.
و حیث إن القادة الإلهیین لا یعتبرون المنصب و الخلافة هدفاً، و إنما أهدافهم أسمى و أعلى من ذلك من هنا أقدم أمیر المؤمنین(ع) على دراسة الظروف و الملابسات في المحیط الاجتماعي الإسلامي في ذلك الوقت، و قد توصل إلى النتیجة التالیة: إذا أقدم على الثورة و المواجهة و الجد في أخذ حقوق زوجته فاطمة بنت رسول الله فإن النتیجة سوف تکون کارثیة بالنسبة إلى الدین الفتی، و أن جهود النبي الأکرم(ص) تذهب أدراج الریاح، و سوف تذهب دماء الشهداء الذین رووا شجرة الإسلام بدمائهم هدراً. و لذلك اختار قبول الوضع القائم، و السعی لدعم الإسلام و رعایاته و الحفاظ علیه بصورة غیر مباشرة.[3]
فلو أن الإمام انتضى سیفه و أظهر شجاعته و إقدامه فمن المؤکد أن المعتقدین بخلافته سوف ینهضون معه و یؤازرونه، و ذلك ما یفضي إلى نزاعات و حروب داخل الکیان الإسلامي، مما ینتج عنه ما یلي:
1ـ سوف یفقد الإمام الکثیر من أنصاره و خاصة الذین تمسکوا بتعالیم النبي(ص) و وصایاه و لم ینقضوا عهده.
2ـ حدوث الفرقة في صفوف الأمة الإسلامیة مما یؤدي إلى فقدان العدید من الصحابة الذین یشکلون ثقلاً کبیراً في مواجهة أعداء الإسلام مما یؤدي الى اضعاف الجبهة الداخلیة للمسلمین 3ـ إن الکثیر ممن أسلم في الأیام الأخیرة من عمر النبي عمدوا إلى الارتداد حال موته، و لو أن الإمام رفع لواء المعارضة و الحرب في هذا الظرف المضطرب کان ذلك عاملاً مؤثراً في إضعاف المجتمع الإسلامي و وضعه أمام خطر کبیر و جدي.
4ـ کما أن خطر مسیلمة الکذاب و سجاح و غیرهم من مدعي النبوة لیس ببعید و لا ینبغی إغفاله، لأن حالة الاختلاف و التصدع تتیح لهؤلاء الفرصة لیوجهوا ضرباتهم المؤلمة إلى الإسلام والمجتمع الإسلامي.
5ـ خطر الروم المحدق، الذین یتربصون بالإسلام و ینتهزون الفرص لشن هجومٍ على مرکز الإسلام، و ذلك مما یشکل تهدیداً کبیراً للإسلام و المسلمین، فلو أن الإمام أعلن الحرب لکان عمل إضعاف لجبهة الإسلام فیطمع أعداؤه في الخارج بمهاجمته و القضاء علیه. و بلوغ أهدافهم المنشودة.
هذه خلاصة للعوامل التي اضطرت الإمام إلى السکوت و الصبر و ترجیح الهدوء و المبادرة إلى الدعم و المساعدة و المراقبة لشؤون الإسلام و المسلمین، و بذلك جنب المجتمع الإسلامي الکثیر من الأخطار المحدقة، و لم یکن للإمام من دوافع و أهداف إلا حفظ وحدة المسلمین و تقویة شوکتهم و إبعادهم عن کل وهن و خطر.[4]
و قد عبر الإمام عن حزنه و ألمه المتسبب عن سکوته بلغة أخرى و ذلك في خطبته الشقشقیة[5] المثبتة في نهج البلاغة حیث جاء فیها: « وَ طَفِقْتُ أَرْتَئِي بَیْنَ أَنْ أَصُولَ بِیَدٍ جَذَّاءَ، أَوْ أَصْبِرَ عَلَى طَخْیَةٍ عَمْیَاءَ، یَهْرَمُ فِیهَا اَلْکَبِیرُ، وَ یَشِیبُ فِیهَا اَلصَّغِیرُ، وَ یَکْدَحُ فِیهَا مُؤْمِنٌ حَتَّى یَلْقَى رَبَّهُ، فَرَأَیْتُ أَنَّ اَلصَّبْرَ عَلَى هَاتَا أَحْجَى، فَصَبَرْتُ وَ فِي اَلْعَیْنِ قَذًى، وَ فِي اَلْحَلْقِ شَجًا، أَرَى تُرَاثِي نَهْباً»[6]
و في موضع آخر أجاب الإمام أحد المقربین إلیه عندما کان ینشر فضائل الإمام و ینتقد إعراض الناس عنه، فقال له الإمام: «سلامة الدین أحب إلینا من غیره».[7]
و من اوضح الکلمات التي بین فیها الامام (ع) علة سکوته ما ورد في نهج البلاغة حیث قال: فَمَا رَاعَنِي إِلَّا انْثِیَالُ النَّاسِ عَلَى فُلَانٍ یُبَایِعُونَهُ فَأَمْسَکْتُ یَدِي حَتَّى رَأَیْتُ رَاجِعَةَ النَّاسِ قَدْ رَجَعَتْ عَنِ الْإِسْلَامِ یَدْعُونَ إِلَى مَحْقِ دَیْنِ مُحَمَّدٍ (ص) فَخَشِیتُ إِنْ لَمْ أَنْصُرِ الْإِسْلَامَ وَ أَهْلَهُ أَنْ أَرَى فِیهِ ثَلْماً أَوْ هَدْماً تَکُونُ الْمُصِیبَةُ بِهِ عَلَیَّ أَعْظَمَ مِنْ فَوْتِ وِلَایَتِکُمُ الَّتِي إِنَّمَا هِي مَتَاعُ أَیَّامٍ قَلَائِلَ یَزُولُ مِنْهَا مَا کَانَ کَمَا یَزُولُ السَّرَابُ أَوْ کَمَا یَتَقَشَّعُ السَّحَابُ فَنَهَضْتُ فِي تِلْك الْأَحْدَاثِ حَتَّى زَاحَ الْبَاطِلُ وَ زَهَقَ وَ اطْمَأَنَّ الدِّینُ وَ تَنَهْنَه‏.[8]
و هذا الکلام یدل على أن الذی حمل الإمام على ترجیح السکوت و عدم المعارضة بالسیف هدف أسمى و أعلى ألا و هو الحفاظ على شجرة الإسلام و تجربته الفتیة و وحدة المجتمع الإسلامي الفتی، و قد ضحى الإمام من أجل هذا الهدف المقدس بکل ما یملك بما في ذلك حق زوجته و أبنائه.

المصادر:
[1] تاریخ الطبري، ج ‏3، ص 202، طبعة دائرة المعارف. و عبارة الطبري: أتی عمر بن الخطاب منزل علی(ع) فقال: لأحرقن علیکم او لتخرجن الی البیعة. و نقل ابن ابي الحدید في شرحه (ج ‏2، ص ‏56) العبارة من کتاب السقیفة للجوهري؛ الإمامة و السیاسة، ج ‏2، ص 12؛ شرح نهج البلاغة ابن ابي الحدید، ج ‏1، ص 134؛ أعلام النساء، ج ‏3، ص 1205. و عبارة ابن عبد ربه الأندلسي على النحو التالي: بعث الیهم ابو بکر عمر بن الخطاب لیخرجهم من بیت فاطمة و قال له ان ابوا فقاتلهم. فاقبل بقبس من النار علی ان یضرم علیهم الدار. فلقیته فاطمة فقالت‏ یا بن الخطاب أ جئت لتحرق دارنا؟ قال: نعم او تدخلوا فیما دخلت فیه الأمة؛ العقد الفرید، ج ‏4، ص 260. انظر أیضاً تاریخ أبي الفداء، ج ‏1، ص ‏156 و اعلام النساء، ج ‏3، ص ‏1207 اثبات الوصیة، المسعودي 124: و عبارته: فهجموا علیه و احرقوا بابه و استخرجه منه کرها و ضغطوا سیدة النساء بالباب حتی اسقطت محسنا. (محنة فاطمة، ص 60 ) .الملل و النحل، ج 2، ص 95 ؛ تلخیص الشافي، ج ‏3، ص ‏76؛ شعاع الولایة، 186 .
[2] للاطلاع الأکثر انظر: 1ـ کتاب (پاسخ به افسانه شهادت ) تألیف السید جواد الحسینی الطباطبائي. 2ـ في موقع أجوبة الأسئلة الدینیة. 3ـ موقع البلاغ.
[3] پیشوایی، مهدي، سیره پیشوایان "سیرة الائمة"، ص 65.
[4] نفسه، ص71.
[5] نهج البلاغة، الخطبة الثالثة.
[6] نهج البلاغة، صبحي الصالح، الخطبة الثالثة، الخطبة الشقشقیة.
[7] راجع شرح نهج البلاغة، ج 6، ص 23-45.
[8] نهج البلاغة، ص 451، من کتاب له (ع) إلى أهل مصر مع مالك الأشتر لما ولاه إمارتها، رقم الکتاب 62.

المصدر الاصلي:اسلام كوئست نت(لماذا سكت علي عليه السلام)

Plain text

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a> <em> <strong> <span> <blockquote> <ul> <ol> <li> <dl> <dt> <dd> <br> <hr> <h1> <h2> <h3> <h4> <h5> <h6> <i> <b> <img> <del> <center> <p> <color> <dd> <style> <font> <u> <quote> <strike> <caption>
  • تتحول مسارات مواقع وب و عناوين البريد الإلكتروني إلى روابط آليا.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
1 + 15 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.