كيف تتغلب على مشاكل الحياة؟

17:54 - 2016/06/17

الملخص: 
التقوى تعالج مشاكل الحياة التي تعترض الإنسان خلال مسيرته فيها و فيما يلي قصة رجل مع الإمام الصادق عليه السلام تحتوي على فوائد متعددة و منها أن التقوى تحل مشاكل الحياة :
 

أثر التقوى

التقوى تعالج مشاكل الحياة التي تعترض الإنسان خلال مسيرته فيها و فيما يلي قصة رجل مع الإمام الصادق عليه السلام تحتوي على فوائد متعددة و منها أن التقوى تحل مشاكل الحياة :
فعَنْ عُنْوَانَ الْبَصْرِيِّ ، وَ كَانَ شَيْخاً كَبِيراً قَدْ أَتَى عَلَيْهِ أَرْبَعٌ وَ تِسْعُونَ سَنَةً قَالَ : كُنْتُ أَخْتَلِفُ إِلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ سِنِينَ ؛ فَلَمَّا قَدِمَ جَعْفَرٌ الصَّادِقُ عليه السلام الْمَدِينَةَ ، اخْتَلَفْتُ إِلَيْهِ وَ أَحْبَبْتُ أَنْ آخُذَ عَنْهُ كَمَا أَخَذْتُ عَنْ مَالِكٍ .
فَقَالَ لِي يَوْماً : إِنِّي رَجُلٌ مَطْلُوبٌ ، وَ مَعَ ذَلِكَ لِي أَوْرَادٌ فِي كُلِّ سَاعَةٍ مِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ؛ فَلا تَشْغَلْنِي عَنْ وِرْدِي ، وَ خُذْ عَنْ مَالِكٍ ، وَ اخْتَلِفْ‏ إِلَيْهِ ، كَمَا كُنْتَ تَخْتَلِفُ إِلَيْهِ .
فَاغْتَمَمْتُ مِنْ ذَلِكَ ، وَ خَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ ، وَ قُلْتُ فِي نَفْسِي لَوْ تَفَرَّسَ فِيَّ خَيْراً لَمَا زَجَرَنِي عَنِ الِاخْتِلَافِ إِلَيْهِ وَ الْأَخْذِ عَنْهُ ؛ فَدَخَلْتُ مَسْجِدَ الرَّسُولِ صلى الله عليه و آله ، وَ سَلَّمْتُ عَلَيْهِ ، ثُمَّ رَجَعْتُ مِنَ الْغَدِ إِلَى الرَّوْضَةِ ، وَ صَلَّيْتُ فِيهَا رَكْعَتَيْنِ ، وَ قُلْتُ : أَسْأَلُكَ يَا اللَّهُ يَا اللَّهُ أَنْ تَعْطِفَ عَلَيَّ قَلْبَ جَعْفَرٍ وَ تَرْزُقَنِي مِنْ عِلْمِهِ مَا أَهْتَدِي بِهِ إِلَى صِرَاطِكَ الْمُسْتَقِيمِ ، وَ رَجَعْتُ إِلَى دَارِي مُغْتَمّاً وَ لَمْ أَخْتَلِفْ إِلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ لِمَا أُشْرِبَ قَلْبِي مِنْ حُبِّ جَعْفَرٍ فَمَا خَرَجْتُ مِنْ دَارِي إِلَّا إِلَى الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ حَتَّى عِيلَ صَبْرِي ؛ فَلَمَّا ضَاقَ صَدْرِي تَنَعَّلْتُ وَ تَرَدَّيْتُ وَ قَصَدْتُ جَعْفَراً ، وَ كَانَ بَعْدَ مَا صَلَّيْتُ الْعَصْرَ فَلَمَّا حَضَرْتُ بَابَ دَارِهِ اسْتَأْذَنْتُ عَلَيْهِ فَخَرَجَ خَادِمٌ لَهُ .
فَقَالَ مَا حَاجَتُكَ ؟
فَقُلْتُ : السَّلَامُ عَلَى الشَّرِيفِ .
فَقَالَ : هُوَ قَائِمٌ فِي مُصَلَّاهُ ؛ فَجَلَسْتُ بِحِذَاءِ بَابِهِ فَمَا لَبِثْتُ إِلَّا يَسِيراً إِذْ خَرَجَ خَادِمٌ .
فَقَالَ : ادْخُلْ عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ فَدَخَلْتُ وَ سَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ السَّلَامَ .
وَ قَالَ : اجْلِسْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ ، فَجَلَسْتُ فَأَطْرَقَ مَلِيّاً ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ .
وَ قَالَ : أَبُو مَنْ ؟
قُلْتُ : أَبُو عَبْدِ اللَّهِ .
قَالَ : ثَبَّتَ اللَّهُ كُنْيَتَكَ ، وَ وَفَّقَكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ، مَا مَسْأَلَتُكَ ؟
فَقُلْتُ : فِي نَفْسِي لَوْ لَمْ يَكُنْ لِي مِنْ زِيَارَتِهِ وَ التَّسْلِيمِ غَيْرُ هَذَا الدُّعَاءِ لَكَانَ كَثِيراً ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ ثُمَّ قَالَ مَا مَسْأَلَتُكَ ؟
فَقُلْتُ : سَأَلْتُ اللَّهَ أَنْ يَعْطِفَ قَلْبَكَ عَلَيَّ ، وَ يَرْزُقَنِي مِنْ عِلْمِكَ ، وَ أَرْجُو أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ، أَجَابَنِي فِي الشَّرِيفِ مَا سَأَلْتُهُ .
فَقَالَ : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ لَيْسَ الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ ، إِنَّمَا هُوَ نُورٌ يَقَعُ فِي قَلْبِ مَنْ يُرِيدُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى أَنْ يَهْدِيَهُ ؛ فَإِنْ أَرَدْتَ الْعِلْمَ فَاطْلُبْ أَوَّلًا فِي نَفْسِكَ حَقِيقَةَ الْعُبُودِيَّةِ ، وَ اطْلُبِ الْعِلْمَ بِاسْتِعْمَالِهِ ، وَ اسْتَفْهِمِ اللَّهَ يُفْهِمْكَ .
قُلْتُ : يَا شَرِيفُ .
فَقَالَ : قُلْ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ .
قُلْتُ : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مَا حَقِيقَةُ الْعُبُودِيَّةِ ؟
قَالَ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ :
1 ـ أَنْ لَا يَرَى الْعَبْدُ لِنَفْسِهِ فِيمَا خَوَّلَهُ اللَّهُ مِلْكاً ، لِأَنَّ الْعَبِيدَ لَا يَكُونُ لَهُمْ مِلْكٌ يَرَوْنَ الْمَالَ مَالَ اللَّهِ يَضَعُونَهُ حَيْثُ أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِهِ .
2 ـ وَ لَا يُدَبِّرُ الْعَبْدُ لِنَفْسِهِ تَدْبِيراً .
3 ـ وَ جُمْلَةُ اشْتِغَالِهِ فِيمَا أَمَرَهُ تَعَالَى بِهِ وَنَهَاهُ عَنْهُ .
فَإِذَا لَمْ يَرَ الْعَبْدُ لِنَفْسِهِ فِيمَا خَوَّلَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِلْكاً ، هَانَ عَلَيْهِ الْإِنْفَاقُ فِيمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يُنْفِقَ فِيهِ .
وَ إِذَا فَوَّضَ الْعَبْدُ تَدْبِيرَ نَفْسِهِ عَلَى مُدَبِّرِهِ هَانَ عَلَيْهِ مَصَائِبُ الدُّنْيَا .
وَ إِذَا اشْتَغَلَ الْعَبْدُ بِمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَ نَهَاهُ لَا يَتَفَرَّغُ مِنْهُمَا إِلَى الْمِرَاءِ وَ الْمُبَاهَاةِ مَعَ النَّاسِ فَإِذَا أَكْرَمَ اللَّهُ الْعَبْدَ بِهَذِهِ الثَّلَاثَةِ : هَانَ عَلَيْهِ الدُّنْيَا ، وَ إِبْلِيسُ ، وَ الْخَلْقُ ، وَ لَا يَطْلُبُ الدُّنْيَا تَكَاثُراً ، وَ تَفَاخُراً ، وَ لَا يَطْلُبُ مَا عِنْدَ النَّاسِ عِزّاً ، وَ عُلُوّاً ، وَ لَا يَدَعُ أَيَّامَهُ بَاطِلًا ؛ فَهَذَا أَوَّلُ دَرَجَةِ التُّقَى قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى : ﴿ تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ 1.2
في هذه القصة عدة دروس نافعة :
1 ـ أن الرجل الذي كان يريد أن يتعلم من الإمام الصادق عليه السلام لم يكن من شيعته و كان يتعلم على يد الإمام مالك أحد المذاهب الأربعة و كان يطلب الحق و يتعلمه من أي أحد ، و في ذلك يكشف مدى الاتصال الوثيق في الأزمنة القديمة بين المدارس المختلفة .
2 ـ أن الإمام الصادق اعتذر إليه من أنه كان مطلوباً و لعله كان في وضع سياسي حرج فلم يعد يتفرغ لأن يلبي طلبه و يعلمه .
3 ـ أن وقته كان مزحوماً حيث لديه أوراد متعددة و ما دام هو يتعلم و يروي عن الإمام مالك فليبقى على ما هو عليه و يروي عنه .
4 ـ أن الإمام الصادق عليه السلام دعا له أن يثبت الله كنيته و أن يوفقه و قد فرح بذلك فرحاً و اعتبر ذلك غنيمة كبرى .
5 ـ التوسل بالرسول في الروضة الشريفة و دعا الله أن يعطف قلب الإمام عليه و قلب الإمام عطوف على الجميع .
6 ـ و مما علمه الإمام له : أن العلم ليس بكثرة التعلم و إنما هو نور يقذفه الله في قلب من يشاء من عباده إذا تعاملوا مع الله بصدق و أن يطلب طالب العلم العبودية لله .
7 ـ ثم شرح الإمام حقيقة العبودية لله سبحانه و يتمثل ذلك في أمور ثلاثة :
قَالَ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ :
( 1 ) ـ ( أَنْ لَا يَرَى الْعَبْدُ لِنَفْسِهِ فِيمَا خَوَّلَهُ اللَّهُ مِلْكاً ، لِأَنَّ الْعَبِيدَ لَا يَكُونُ لَهُمْ مِلْكٌ يَرَوْنَ الْمَالَ مَالَ اللَّهِ يَضَعُونَهُ حَيْثُ أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِهِ ) . فعلى ماذا يجمع الأموال و يحرص عليها ؟ و على ماذا يختلف مع الآخرين على ما في أيديهم من الدنيا قليلا كان أم كثيراً ؟، و بهذا تنحل نصف مشاكل المجتمع .
( 2 ) ـ ( وَلَا يُدَبِّرُ الْعَبْدُ لِنَفْسِهِ تَدْبِيراً ) و إذا أيقن أن التدبير كله بيد الله و أن المصائب بعين الله هانت عليه تلك المشاكل و تنحل .
( 3 ) ـ ( وَ جُمْلَةُ اشْتِغَالِهِ فِيمَا أَمَرَهُ تَعَالَى بِهِ وَ نَهَاهُ عَنْهُ ) و إذا اشتغل بمسؤولياته من فعل الواجبات و ترك المحرمات لم يبق لديه ما يباهي و يماري به .
و يخلص الإمام الصادق عليه السلام في حل مشاكل المجتمع بالتقوى بقوله :
( فَإِذَا أَكْرَمَ اللَّهُ الْعَبْدَ بِهَذِهِ الثَّلَاثَةِ : هَانَ عَلَيْهِ الدُّنْيَا ، وَ إِبْلِيسُ ، وَ الْخَلْقُ، وَ لَا يَطْلُبُ الدُّنْيَا تَكَاثُراً ، وَ تَفَاخُراً ، وَ لَا يَطْلُبُ مَا عِنْدَ النَّاسِ عِزّاً ، وَ عُلُوّاً ، وَ لَا يَدَعُ أَيَّامَهُ بَاطِلًا ؛ فَهَذَا أَوَّلُ دَرَجَةِ التُّقَى قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى : ﴿ تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾

المصدر:

1)القرآن الكريم ،سورة القصص ،الآية 83

2)بحارالأنوار، 1/226

Plain text

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a> <em> <strong> <span> <blockquote> <ul> <ol> <li> <dl> <dt> <dd> <br> <hr> <h1> <h2> <h3> <h4> <h5> <h6> <i> <b> <img> <del> <center> <p> <color> <dd> <style> <font> <u> <quote> <strike> <caption>
  • تتحول مسارات مواقع وب و عناوين البريد الإلكتروني إلى روابط آليا.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
5 + 5 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.