سفير الإمام الحسين ( ع ) مسلم بن عقيل ( ع )

19:48 - 2016/07/10

الملخص:تتابعت كتب أهل الكوفة إلى الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، و هي تحثه على المسير و القدوم إليهم لإنقاذهم من ظلم الأمويِّين و عُنفهم ، وكانت بعض تلك الرسائل تحمِّلُه المسؤولية أمام الله والأمة إن تأخر عن إجابتهم . و رأى الإمام – قبل كل شيء – أن يختارَ لِلُقيَاهُم سفيراً له ، يُعرِّفه باتجاهاتهم وَصِدقِ نِيَّاتِهم ، فإن رأى منهم نيَّة صادقة ، و عزيمة مُصمَّمة ، فيأخذ البيعة منهم ، ثم يتوجّه إليهم بعد ذلك . و قد اختار ( عليه السلام ) لسفارتِه ثقتَه و كبيرَ أهلِ بيتِه مسلم بن عقيل ، فاستجاب له عن رِضىً و رغبة.

 مسلم بن عقيل ( ع )

تتابعت كتب أهل الكوفة إلى الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، و هي تحثه على المسير و القدوم إليهم لإنقاذهم من ظلم الأمويِّين و عُنفهم ، وكانت بعض تلك الرسائل تحمِّلُه المسؤولية أمام الله والأمة إن تأخر عن إجابتهم . و رأى الإمام – قبل كل شيء – أن يختارَ لِلُقيَاهُم سفيراً له ، يُعرِّفه باتجاهاتهم وَصِدقِ نِيَّاتِهم ، فإن رأى منهم نيَّة صادقة ، و عزيمة مُصمَّمة ، فيأخذ البيعة منهم ، ثم يتوجّه إليهم بعد ذلك . و قد اختار ( عليه السلام ) لسفارتِه ثقتَه و كبيرَ أهلِ بيتِه مسلم بن عقيل ، فاستجاب له عن رِضىً و رغبة ، وَ زوَّدَهُ برسالة و هي :( مِن الحُسينِ بن عَلي إِلى مَن بلغهُ كتابي هذا مِن أوليائِه وَشيعَتِه بالكوفة ، سلامٌ عليكم ، أما بعد : فَقَد أتَتْني كُتُبكُم ، وفهمتُ ما ذكرتُم مِن مَحبَّتِكم لِقُدومِي عَليكم ، وأنا بَاعثٌ إِليكم بِأخي وابنِ عَمِّي وثِقتي من أهلي مسلم بن عقيل ، لِيعلمَ لِي كُنْهَ أمْرِكُم ، ويكتبَ إِليَّ بما يَتبَيَّن له من اجتماعِكُم ، فإن كان أمرُكم على ما أتَتْني بِه كُتُبُكم ، وأخبَرَتني به رُسُلُكم ، أسرعتُ القُدومَ إليكُم إِن شَاء اللهُ ، وَالسَّلام ) .و تَسلَّم مسلم الرسالة ، وغادر مكة ليلة النصف من رمضان ، فَصلَّى في مسجدالرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، وَ طَاف بِضريحِه ، وَودَّع أهله وأصحابه ، و كان ذلك هو الوداع الأخير لهم ، واتَّجهَ صَوبَ العِراق ، واستأجر دَليلين من قَيس يَدُلاَّنَه عَلى الطريق . و سار مسلم يطوي البيداء ، حتى دخل الكوفة فاختار النزول في بيت المختار الثقفي ، لوثوقه منه بإخلاصه للإمام الحسين ( عليه السلام ) وتفانيه في حبه . و فتح المختار أبواب داره لمسلم ، وقابله بمزيد من الحفاوة والتكريم ، ودعا الشيعة إلى مقابلته ، فأقبلوا إليه من كُلِّ حَدبٍ وصَوب ، وهم يظهرون لَهُ الولاء والطاعة . وانثَالَت الشيعةُ على مسلم تبايعه للإمام الحسين ( عليه السلام ) ، وكانت صيغة البيعة الدعوة إلى كتاب الله وسُنَّة رسوله ( صلى الله عليه وآله ) ، وجهاد الظالمين ، والدفع عن المستضعفين ، وإعطاء المحرومين ، وقِسمَة الغنائم بين المسلمين بالسويَّة ، وَرَد المَظالم إلى أهلها ، ونصرة أهل البيت ( عليهم السلام ) .
- رسالة مسلم للإمام الحسين ( عليه السلام ):ازداد مسلم إيماناً ووثوقاً بنجاح الدعوة حينما بايعه ذلك العدد الهائل من أهل الكوفة ، فكتب للإمام ( عليه السلام ) يَستَحِثّه فيها على القدوم إليهم برسالة هذا نَصُّها :(فإنَّ الرائدَ لا يكذب أهله ، وقد بايعني من أهل الكوفة ثمانية عشر ألفا ، فَعجِّل حين يأتيك كتابي ، فإن الناس كُلُّهم معك ، ليس لَهم في آل معاوية رأي وَلا هَوى ) . أما موقف النعمان بن بشير – والي الكوفة – من الثورة فقد كان موقفاً يتسم باللِّين والتسامح ، وقد اتَّهمَهُ الحزب الأموي بالضعف ، أو التضاعف في حفظ مصلحة الدولة ، والاهتمام بسلامتها ، فأجابهم : لأَنْ أكونَ ضعيفاً وأنا في طاعة الله أحَبُّ إليَّ من أن أكون قوياً في معصية الله ، وما كنتُ لأهتك ستراً ستره الله .ودافع النعمان عن نفسه بأنه لا يعتمد على أية وسيلة تبعده عن الله ، ولا يسلك طريقاً يتجافى مع دينه ، وقد استبانَ للحزب الأموي ضعف النعمان ، وانهياره أمام الثورة .
- اتصال الحزب الأموي بدمشق:قام الحزب الأموي باتصال سريع بحكومة دمشق ، و طلبوا منها اتخاذ الإجراءات الفورية قبل أن يتَّسع نطاق الثورة ، ويأخذ العراق استقلاله ، وينفصل عن التبعية لدمشق . و من بين الرسائل التي وفدت على يزيد رسالة عبد الله الحَضْرَمي التي جاء فيها : (أما بعد : فان مسلم بن عقيل قدم الكوفة ، وبايعته الشيعة للحسين بن علي ، فإن كان لك بالكوفة حاجة فابعث إليها رجلاً قويا ينفذ أمرك ، ويعمل مثل عملك في عدوك ، فإن النعمان بن بشير رجلٌ ضعيف ، أو هو يَتَضعَّف ) .فكتب يزيد إلى عبيد الله بن زياد والي البصرة هذه الرسالة : (أما بعد : فإنه كتب إليَّ شيعتي من أهل الكوفة يُخبرونني أن ابن عقيل بالكوفة يجمع الجموع لِشَقِّ عصا المسلمين ، فَسِرْ حين تقرأُ كتابي هذا حتى تأتي الكوفة ، فتطلب ابن عقيل كطلب الخرزة ، حتى تثقفه فتوثقه ، أو تقتله ، أو تنفيه ، والسلام ) . فأمر يزيد بِتَولِيةِ عبيد الله بن زياد على الكوفة بدلاً من النعمان بن بشير . وفي اليوم الثاني لِوصولِه إلى الكوفة خَرجَ مُتقلِّداً سيفه ، و معتمّاً بعمامة ، فاعْتَلى أعوادَ المنبر وخطب الناس ، فقال : ( أما بعد : فان أمير المؤمنين ولاَّني مِصرَكُم وثغركم وفيئكم ، وأمرني بإنصاف مَظلومكم ، وإعطاء محرومكم ، وبالإحسان إلى سامعكم ومطيعكم ، وبالشدة على مُريبكم ، فأنا لِمُطيعكم كالوالد البرَّ الشفيق ، وسيفي وسوطي على من ترك أمري وخالف عهدي . ولم يُعرِّض في خطابه للإمام الحسين و سفيره مسلم ( عليهما السلام ) ، وذلك خوفاً من انتفاضة الجماهير عليه وهو بعد لم يَحكُم أمره ، وعمد ابن زياد إلى نشر الإرهاب وإذاعة الخوف .ويقول بعض المؤرخين : إنه لما أصبح ابن زياد بعد قدومه إلى الكوفة صَال وجَال ، وأرعَد وأبرَق ، وأمسك جماعة من أهل الكوفة فقتلهم في الساعة ، وقد عمد إلى ذلك لإِماتَةِ الأعصاب ، وَصَرف الناس عن الثورة . وفي اليوم الثاني أمر بجمع الناس في المسجد وخرج إليهم بِزيٍّ غير ما كان يخرج به ، فخطب فيهم خطاباً عنيفا تَهدَّد فيه وتوعَّد ، فقد قال بعد حمد الله والثناء عليه :( فإنه لا يُصلح هذا الأمر إلا في شِدَّة من غير عنف ، ولِينٍّ من غير ضعف ، وأن آخذ البريء بالسقيم، والشاهِد بالغائب ، والوَلي بالوالي )وبعد أن علم الطاغية بواسطة جواسيسه بأن هانئ بن عروة هو العضو البارز في الثورة وأن مسلم قد غَيَّر مكانه من دار المختار إلى دار هانئ ، وأن هانئ يقوم بِدَورٍ فعَّال في دعم الثورة ومساندتها بجميع قدراته ، وعرف ابن زياد بأن دار هانئ أصبحت مركزاً عامّاً للشيعة ، ومَقَرّاً لمسلم بن عقيل ، لم يقم ابن زياد بكبس وتطويق دار هانئ ، وأحجم عن ذلك لعجزه عسكرياً ، وعدم مقدرته على فتح باب الحرب . فإن دار هانئ مع الدُور التي كانت محيطة بها كانت تضم أربعة آلاف مقاتل مِمَّن بايعوا مسلماً ، بالإضافة إلى أتباع هانئ ومكانته المَرمُوقة في الكوفة ، فلهذا لم يستطع ابن زياد من القيام بشيء نظراً للمضاعفات السيئة .
- رسل الغدر :أنفق ابن زياد لياليه ساهراً يطيل التفكير ، ويطيل البحث مع حاشيته في شان هانئ ، فهو أعزُّ من في المصر ، وأقوى شخصية يستطيع القيام بحماية الثورة ، فإذا قضى عليه فقد استأصل الثورة من جذورها . وقد اتفق رأيهم على إبلاغ هانئ برغبة ابن زياد بزيارته ، وشكَّلوا وفداً لدعوته إلى قصر الإمارة ، فحضر معهم إلى القصر . وبعد مشَادَة كلامية طالبَهُ ابن زياد بتسليم مسلم ، فَسَخرَ منه هانئ وأنكر عليه قائلاً له مقالة الرجل الشريف : لا آتيك بضيفي أبداً . وعندها سجنه ابن زياد في إحدى غرف القصر . ولما علم مسلم بما جرى لهانئ بادر لإعلان الثورة على ابن زياد ، لعلمه بأنه سيلقى نفس المصير الذي لاقاه هانئاً .  فأوعز إلى أصحابه ، فاجتمع إليه أربعة آلاف ، وهم ينادون بشعار المسلمين يوم بدر : يا مَنصُور أَمت . وعندها أوعز الطاغية إلى جماعة من وجوه أهل الكوفة أن يبادروا بِبَثِّ الذعر ونشر الخوف بين الناس ، وترويج الإشاعات الآتية :- الأولى : التهديد بجيوش أهل الشام التي ستشيع فيهم القتل والتنكيل إن بقوا مُصرِّين على المعصية والعناد . - الثانية : حِرمانَهُم من العطاء . - الثالثة : تَجميرهم في مَغَازي أهل الشام ، وَزَجِّهم في سَاحات الحُروب .- الرابعة : أنهم إذا أصرّوا على التَمرّد فإن ابن زياد سَيُعلن الأحكام العرفية ، وَيسَوِّسَهم بسياسة أبيه ، والتي تحمل شارات الموت والدمار ، حتى يقضي على جميع ألوان الشغب والعصيان .
و انطلق هؤلاء الجواسيس إلى صفوف جيش مسلم ، فأخذوا يشيعون الخوف ، ويبثّون الأراجيف ، ويظهرون لهم الإشفاق خوفاً عليهم من جيوش أهل الشام القادمة . فَمُنِي جيشُ مسلم بهزيمة مُخزية لم يَحدث لها نظير في جميع فترات التاريخ ، فقد هَزمَتهُ الدعايات المُضلِّلة من دون أن تكون في قِبالِهِ أيَّة قُوَّة عسكرية ، ولم يمضِ قليل من الوقت حتى انهزم معظم جيش مسلم .
وقد صلَّى بجماعة منهم صلاة العشاء في الجامع الأعظم فكانوا يَفرّون في أثناء الصلاة ، وما أنهى ابن عقيل صلاته حتى انهزموا بأجمعهم ، وقد أمسى وحيداً طريداً مُشرَّداً ، لا مأوى يأوي إليه ، ولا قَلبٌ يعطف عليه .- شهادة مسلم بن عقيل ( عليه السلام ) :طوى مسلم ليلته حزيناً تساوِرُه الهُموم ، وكان – فيما يقول المؤرخون – قد قضى شطراً من الليل في عبادة الله ، ما بين الصلاة وقراءة القرآن . وقد خفق في بعض الليل ، فرأى عَمَّه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، فأخبره بِسرعَةِ اللحَاق به ، فأيقنَ عند ذلك بِدُنُوِّ الأجلِ المحتوم منه .وقد أصدرت سلطات ابن زياد أمراً تَضمَّنَ ما يأتي :أولاً : الحكم بالإعدام على كل من آوى مسلماً مهما كانت مكانته الاجتماعية .ثانياً : إنَّ دِيَّة مسلم تكون لمن جاء به .ثالثاً : إن من ظَفِر بمسلم تمنحه السلطة عشرة آلاف درهم . رابعاً : إن من يأتي به يكون من المُقرَّبين عند الطاغية يزيد ، وينال ثقته .و تَمَنَّى أكثر أولئك الأوغاد الظفر بمسلم بين عقيل ، لينالوا المكافأة ، وكذا التَقَرّب إلى يزيد بن معاوية . وبعد أن جرت معركة غير متكافئة بين مسلم وبين أزلام ابن زياد جُرح فيها مسلم وسقط على الأرض ، فوقع في أسر أعدائه ، وسلَّموه إلى الطاغية ابن زياد ، فأمر بإلقائه من أعلى القصر . و استقبل مسلم الموت بثغر باسم ، فَصُعِدَ به إلى أعلى القصر ، وكان يسبِّح الله ويستغفره بِكلِّ طُمأنينة ورضا ويقول :(اللَّهُمَّ احكُمْ بيننا وبَين قَومٍ غَرّونا وَخذلونا ) . واستُدعِيَ الجَلاَّدُ ، فَضَربَ عُنُقَه ، وَرَمى برأسه وجسدهِ ( عليه السلام ) إلى الأرض ، وسقط مسلم بن عقيل ( عليه السلام ) شهيداً ، دفاعاً عن الحق ، ودفاعاً عن مولاه الإمام الحسين ( عليه السلام ) .
المصدر :تبيان

Plain text

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a> <em> <strong> <span> <blockquote> <ul> <ol> <li> <dl> <dt> <dd> <br> <hr> <h1> <h2> <h3> <h4> <h5> <h6> <i> <b> <img> <del> <center> <p> <color> <dd> <style> <font> <u> <quote> <strike> <caption>
  • تتحول مسارات مواقع وب و عناوين البريد الإلكتروني إلى روابط آليا.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
7 + 3 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.