محمد بن عبدالوهاب ليس عالماً ولا مجتهداً

هل کان محمد بن عبدالوهاب مجتهداً؟ وهل بلغ من العلم ما يؤهّله لأن يکون له رأي خاص في مجمل مسائل العقيدة والفروع؟!
هذا السؤال سيجيبنا عليه أقرب المقرّبين منه، وهو أخوه الشيخ سليمان بن عبدالوهاب الذي يُعدّ من أهل العلم في عصره کما ذکر ذلك إمام الحرمين أحمد بن زيني دحلان في کتابه الفتوحات الإسلامية، والشيخ محمد بن عبدالله النجدي الحنبلي في کتابه السحب الوابلة علی ضرائح الحنابلة. [1]
وقد اعتمد سليمان بن عبدالوهاب في ردّه هذا، وهو ممّن ينتمي إلی المذهب الحنبلي بالذات، وإلی مدرسة ابن تيمية وابن القيم الجوزية بالخصوص، علی أفکار ومبتنيات هذه المدرسة دون غيرها؛ وذلك لأنّ المردود عليه لا يقبل بغير ما تمليه عليه هذه المدرسة. [2]
قال الشيخ سليمان بن عبدالوهاب مخاطباً أخاه المدّعي للاجتهاد: «إعلم أنّ ما جاء به محمد(صلی الله عليه وسلم) أنّ الجاهل لا يستبدّ برأيه، بل يجب عليه أن يسأل أهل العلم، کما قال تعالی: «فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّکْرِ إِنْ کُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ» [3]، وقال(صلی الله عليه وسلم): (هلّا إذا لم يعلموا سألوا فإنّما دواء العي السؤال) [4]، وهذا إجماع قال في غاية السؤال، قال الإمام أبوبکر الهروي: أجمعت العلماء قاطبة علی أنّه لا يجوز لاحد أن يکون إماماً في الدين والمذهب المستقيم حتّی يکون جامعاً هذه الخصال وهي: أن يکون حافظاً للغات العرب واختلافها، ومعاني أشعارها وأصنافها، واختلاف العلماء والفقهاء، ويکون عالماً فقيهاً، وحافظاً للإعراب وأنواعه، والاختلاف، عالماً بکتاب الله، حافظاً له، ولاختلاف قراته، واختلاف القرّاء فيها، عالماً بتفسيره ومحکمه ومتشابهه، وناسخه ومنسوخه وقصصه، عالماً بأحاديث الرسول(صلی الله عليه وسلم)، مميزاً بين صحيحها وسقيمها، يبنی مذهبه ودينه علی کتاب الله وسنّة رسول الله(صلی الله عليه وسلم) و... فإذا جمع هذه الخصال، فيجوز حينئذ أن يکون إماماً وجاز أن يُقلّد، ويجتهد في دينه وفتاويه، وإذا لم يکن جامعاً لهذه الخصال، أو أخلّ بواحدة منها؛ کان ناقصاً ولم يجز أن يکون إماماً وأن يقلّده الناس...
قال ابن القيّم الجوزية: «لا يجوز لأحد أن يأخذ من الکتاب والسنّة ما لم يجتمع فيه شروط الإجتهاد ومن جميع العلوم...». [5]
ثمّ بين الشيخ سليمان بعد هذا التفصيل مخالفة أخيه وأتباعه لصريح الکتاب والسنّة في تکفيرهم للمسلمين وهو ممّا يکشف عن عدم أهليتهم البتة للفتوی والإجتهاد، حيث قال: «نقول: قال الله«إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ» [6]، وقال تعالی«وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ» [7]، وقال تعالی«فَإِنْ تابُوا وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّکاةَ فَخَلُّوا سَبيلَهُمْ» [8]، وقال تعالی«فَإِخْوانُکُمْ فِي الدِّينِ». [9] قال ابن عباس: «حرّمت هذه الآية دماء أهل القبلة» [10]، وقال أيضاً: «لا تکونوا کالخوارج تؤوّلوا آيات القرآن في أهل القبلة وإنّما نزلت في أهل الکتاب والمشرکين، فجهلوا علمها فسفکوا بها الدماء وانتهکوا الأموال وشهدوا علی أهل السنّة بالضلالة فعليکم بالعلم بمان زل فيه القرآن». [11]
ثمّ قال الشيخ سليمان بن عبدالوهاب يخاطب أخاه محمد بن عبدالوهاب ودتباعه: «إذا فهمتم ما تقدمّ، فإنّکم تکفّرون من شهد أن لا إله ألا الله وحده، وأنّ محمداً عبده ورسوله، وأقام الصلاة وآتی الزکاة وصام رمضان وحجّ البيت، مؤمناً بالله وملآئکته وکتبه ورسله، ملتزماً لجميع شعائر الإسلام، وتجعلونهم کفّاراً وبلادهم بلاد حرب!! فنحن نسألکم، من إمامکم في ذلك؟ وممن أخذتم هذا المذهب عنه؟! [12]
هذا هو کلام سليمان بن عبدالوهاب في الرد علی أخيه محمد بن عبدالوهاب وأتباعه، نقلناه حتّی يتّضح للجميع أنّ دعوی الاجتهاد في حقّ محمد بن عبدالوهاب هي دعوی زائفة، لا واقع لها، وأنّها کسراب بقيعة يحسبه الضمآن ماءً حتّی إذا جاءه لم يجده شيئاً، بل حتّی دعوی اتّباع أحمد بن حنبل، أو السير علی طبق فتاوی ابن تيمية او ابن القّيم الجوزية، أنّها دعوی کاذبة، وأنّه يصدق في حقّ محمد بن عبدالوهاب وأتباعه بأنّهم يحرّفون الکلم عن مواضعه، سواء في تفسيرهم لآيات القرآن الکريم وحملهم الآيات التي نزلت في المشرکين علی المسلمين، أم في فهمهم للأحاديث النبوية وإستفادة الظاهر منها من غير تمحيص وتدقيق وتحميلها ما لا تحتمل من الأحکام والأقوال، أو في دعوی الأخذ بأقوال أئمة المذاهب والمدارس الفکرية کاتّباعهم لأحمد بن حنبل أو ابن تيمية وابن القيّم الجوزية.

المصادر:
[1] انظر: الفتوحات الإسلامية، ج2، ص357- المقالات السنية، ص51.
[2] السلفية بين أهل السنة والإمامية، ص340.
[3] سورة النحل، الآية43.
[4] سنن أبي داود، ج1، ص85.
[5] إعلام الموقعين،
[6] سورة آل عمران، الآية19.
[7] سورة آل عمران، الآية 85.
[8] سورة التوبة، الآية5.
[9] سورة التوبة، الآية11.
[10] التفسير الکبير، ج15، ص233- تفسير البغوي، ج9، ص4- تفسير الآلوسي، ج11، ص7.