قد أكثر القرآن الكريم من ذكر الملائکة؛ فقد تحدّثت آيات عديدة عن صفات، ميزات و مهام الملائكة و جعلت الإيمان بهم مرادفا للإيمان باللّه و الأنبياء. و هذا يكشف عن أهميّة هذه المسألة و لا شكّ أنّهم غيّب عن حواسنا فلا يتأتى إثباتهم إلّا بالأدلّة النقلية فحسب. هذا البحث يحاول أن يكشف قدر المستطاع شيئا من أسرار عالم الملائكة.
[تمهيد]
تعرّض القرآن الكريم كثيراً لذكر الملائکة؛ فقد تحدّثت آيات عديدة عن صفات، ميزات و مهام الملائكة و جعلت الإيمان بهم مرادفاً للإيمان باللّه و الأنبياء و الكتب السماوية. و هذا يدلّ على أهميّة هذه المسألة المفصلية. و ممّا لا شكّ فيه أنّ وجود الملائكة من الأمور الغيبية التي لا يمكن إثباتهم و إثبات ما لهم من الصفات و الخصائص إلّا بالأدلّة النقلية فحسب.[1]
[حقيقة الملائكة]
قد أجمع الإمامية بل المسلمون قاطبة على أنّهم أجسام لطيفة نورانيّة أولي أجنحة مثنى و ثلاث و رباع و أكثر، قادرون على التشكّل بالأشكال المختلفة و انّه سبحانه يورد عليهم بقدرته ما شاء من الأشكال و الصّور على حسب الحكم و المصالح و لهم حركات صعودا و هبوطا و كان يراهم الأنبياء و الأوصياء عليهم السّلام و القول بتجرّدهم و تأويلهم بالعقول و النفوس الفلكيّة و القوى و الطبائع و تأويل الآيات المتضافرة و الأخبار المتواترة، تعويلا على شبهات واهية و استبعادات وهميّة زيغ عن سبيل الهدى و اتباع لأهل الغواية و العمى. هنالك أخبار كثيرة يمكن تحصيل القطع منها بأنّها أجسام نورانيّة و ان كانت غير مرئيّة إلّا بأسباب خاصّة و انّ لها أمكنة و أحيازا و أعضاء و جوارح و قوّة و نشاطا و قوتا من التّسبيح و التهليل و حركة و سكونا و اجتماعا و افتراقا و قياما و قعودا و ركوعا و سجودا و أصواتا و كلاما و عظما و أقدارا و غير ذلك من أحكام الأجسام و خواصها. و حمل ذلك كلّه على الاستعارة و التّشبيه و انّه لو تجسّم بمقدار قوّته لكان كذا و كذا خروج عن الظّواهر المتظافرة التي هي الحجة من غير حجّة و المؤمن الموحّد لا يتجاسر على أدنى من ذلك، فكيف بما هنالك. و لو ساغ في الشريعة فتح باب أمثال هذه التأويلات و الاحتمالات المشتملة على ما لا يخفى من التكلّف و التحمّل لما اخضرّ للدّين عود و ما قام للإسلام عمود، لكنّهم قد استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر اللّه و لذا تراهم يتلاعبون بأحكام الشريعة و يستخفون باهلها و يتصرّفون بعقولهم القاصرة و فطرتهم المغيّرة و أحلامهم الناقصة في أحكامها الظّاهرة بلا برهان و لا دليل، فأضلوا كثيرا و ضلّوا عن سواء السبيل.
نعم لا نأبى من القول بأن يكون هناك أصناف أخر من الملائكة غير جسمانيّة، و لا متعلقة بالأجسام، بل يكون فوق عالم الأجسام كملائكة العالين و الكروبيّين و الرّوح الذي هو من أمره سبحانه.[2]
[ميزات الملائكة]
الملائكة کائنات ذوات العقل و الشعور، و هم عباد مكرمون من عباد اللّه[3]، مطيعون لأوامر الله و لا يعصونه أبدا[4]، دائمو التقديس و التسبيح لله سبحانه و تعالى.[5]
[مهام الملائكة]
الذي يستفاد من الكتاب و السنة أنّ لهم وظائف مهمّة و كثيرة التنوّع كلّفوا بها من قبل الباري عزّ و جلّ؛ مجموعة تحمل العرش[6]، مجموعة تدبّر الأمر[7]، و أخرى لقبض الأرواح[8]، و آخرون يراقبون أعمال البشر[9]، مجموعة تحفظ الإنسان من المخاطر و الحوادث[10]، و اخرى مأمورة بإحلال العذاب[11]، و أخيرا مجموعة لتبليغ رسالات الوحي و إنزال الكتب السماوية للأنبياء[12] و لو أردنا الاسترسال في ذكر وظائف الملائكة لطال البحث و اتّسع.
[خواص الملائكة و خيرتهم]
يظهر من الروايات أنّ أعداد الملائكة كثيرة فعلا، بحيث أنّه لا يمكن مقايسة أعدادهم بالبشر بأية صورة من الصور ولكن لم يسم في القرآن إلا اثنان منهم و هما جبريل و ميكال و أما ما عداهما فمذكور بالوصف كملك الموت و الرقيب و العتيد و غير ذلك. و ثمة ملائكة أربع ذكروا في الأخبار كثيرا و هم بمكان من الأهمية؛ «جبرائيل» و هو ملك الوحي، «عزرائيل» و هو ملك الموت، «إسرافیل» و هو ملك الحياة، «ميكائيل» و هو ملك الرزق. عسى أن نقوم في المستقبل بدراسة خاصة حولها، إن شاء الله تعالى[13].
المصادر:
[1].«الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل»، مكارم الشيرازي، ناصر، قم، مدرسة الإمام علي بن أبي طالب، الطبعة الأولى، 1421هـ، ج14، ص16.
[2].«تفسير الصراط المستقيم»، البروجردي، السيد حسين، قم، مؤسسة أنصاريان، الطبعة الأولى، 1416 هـ، ج5، ص72.
[3].الأنبياء: 26.
[4].الأنبياء: 27.
[5].الشورى: 5.
[6].الحاقة: 17.
[7].النازعات: 5.
[8].الأعراف: 37.
[9].الإنفطار: 10-12.
[10].الأنعام: 61.
[11].الإنفطار: 10-13.
[12].النحل: 2.
[13].«بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار»، المجلسی، محمد باقر بن محمد تقي، بيروت، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الثانية، 1403 هـ، ج4، ص213.