استحالة رؤية الله تعالى

16:42 - 2022/12/31

للفرق الإسلامية المتكلمة آراء مختلفة وأدلة عقلية ونقلية متباينة يضد كل فريق بها رأيه ومعتقده ومذهبه ، لكن يبقى الرجوع إلى أهل البيت عليهم عندنا نحن كشيعة رأس كل قضية متشابكة ومتشابهة فنأخذ عنهم الكلام السديد والقويم.

 

استحالة رؤية الله تعالى

ذهب العامة إلى إمكان رؤية الله سبجانه وتعالى بالعين الباصرة على تفصيل ، فالمجسّمة والكرامية منهم ذهبوا إلى جواز رؤية الله تعالى في الدنيا والآخرة لكونه له مكان وله جسم ، أما الأشاعرة وأهل الحديث فأثبتوا الرؤية له في الآخرة فقط. واستدل القائلون بهذا المعتقد بأدلة عقلية ونقلية، منها قوله تعالى: { قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ }[1]. حيث إن موسى عليه السلام يسأل الله تعالى رؤيته فلو كانت مستحيلة لما سألها موسى عليه السلام ربه.  

ومن أدلتهم ما يروونه عن رسول الله صلى الله عليه وآله سلم أنه قال: "ترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر، لا تضارون في رؤيته". ". [2]

 ويقول أبو الحسن الأشعري تأكيدا على عقيدتهم تلك: "ومما يدل على رؤية الله سبحانه بالأبصار أن الله تعالى يرى الأشياء، وإذا كان للأشياء رائيا فلا يرى الأشياء من لا يرى نفسه، وإذا كان لنفسه رائيا فجائز أن يرينا نفسه".[3]  وخلافا لهذه العقيدة ذهب غيرهم منهم العدلية.

استحالة رؤية اللّه:

من العدلية الذين قالوا باستحالة رؤية الله تعالى لا في الدنيا ولا في الآخرة؛ الإمامية ، وهم في ذلك يعتقدون بما جرى على لسان أئمتهم عليهم السلام في هذا المقام  ، فقد نُقل عنهم عليهم السلام نفي الرؤية في عدة روايات منها ما رُوي عن الإمام علي عليه السلام عندما سأله رجل هل رأيت ربك؟ فقال: "لَا تُدرِكُهُ العُيُونُ بِمُشَاهَدَةِ الْعِيَانِ، وَلكِن تُدرِكُهُ الْقُلُوبُ بِحَقَائِقِ الإِيمَانِ".[4]

رؤية

وهذه العقيدة هي الراسخة في كلمات علماء الشيعة الإمامية وقد أخذت حيزا كبيرا من تأليفاتهم وكلماتهم ونظًروا لها بالبراهين العقلية والأدلة النقلية الدامغة التي لاتقف أمامها أية حجج أو استدلالات عدها أصحابها أنها كذلك ، ونحن روما للإختصار لايسعنا الغوص في كل الأدلة والبراهين، بل نورد في الجملة ما نص عليه علماؤنا في هذا الباب.

ورد في تفسير الأمثل في باب بحثنا ما نصه: "لا شكّ أنّ الرّؤية الحسيّة لا تكون إلّا للأجسام الّتي لها لون و مكان و تأخذ حيّز من الفراغ، فعلى هذا لا معنى لرؤية اللّه تعالى الّذي هو فوق الزمان و المكان. إنّ الذات المقدّسة يستحيل رؤيتها بهذه العين لا في الدّنيا و لا في الآخرة، و الأدلّة العقليّة على هذه المسألة واضحة إلى درجة أنّه لا حاجة لشرحها و بيانها... و طبعا لا شكّ في إمكانيّة رؤية اللّه تعالى بعين القلب، سواء في هذه الدنيا أو في عالم آخر، و من المسلّم أنّ ذاته المقدّسة في يوم القيامة لها ظهور أقوى و أشد من ظهورها في هذا العالم ممّا يستدعي أن تكون المشاهدة أقوى. و في الحديث الشريف عن الإمام الصادق عليه السّلام في جواب من سأله‌: هل يمكن مشاهدة اللّه يوم القيامة؟ فقال: "إنّ الأبصار لا تدرك إلّا ما له لون و كيفيّة و اللّه تعالى خالق الألوان و الكيفيّة".[5]

ويقول الجصاص الحنفي تفسيرا لقوله تعالى: (لا تدركه الأبصار ) أن معناه أنه تعالى لا تراه الأبصار ، وهذا مدح ينفي رؤية الأبصار.. وما تمدح الله بنفيه عن نفسه فإن إثبات ضده ذم ونقص فغير جائز إثبات نقيضه بحال .. فلما تمدح بنفي رؤية البصر عنه لم يجز إثبات ضده ونقيضه بحال ، إذ كان فيه إثبات صفة نقص [6].

وعلى العموم فإن الواقف على حيثيات الموضوع ببحث أكثر يجد أن هذه المسألة مفروغ من بطلانها وقدحها عند الإمامية ، ومستندهم في ذلك المنقولات كتابا وروايات شريفة عن أهل البيت عليهم السلام ، ولو قيل بأن القرآن الكريم فيه آيات تؤيد كلا الرأيين، نقول إن أهل البيت سلام الله عليهم وضحوا وبينوا العقيدة الصحيحة في موضوع بحثنا وهم الثقل الثاني ، وعندهم الكلام اليقين والفصل المبين إذا خفي على الناس من أمر الدين شيء. ومنه ما ذكرنا عنهم عليهم السلام في ثنايا البحث بعيدا عن التجسيم وما يُصاحب ذلك من الضلال. فتأمل.

_________________

المصادر:

[1] سورة الأعراف، الآية143

[2] الإبانة عن أصول الديانة، ص49.

[3] الإبانة عن أصول الديانة، ص53.

[4] نهج البلاغة، الخطبة179.

[5] تفسير الأمثل، ج2، ص82-83.

[6]أضواء على عقائد الشيعة الإمامية، ص٧٠٥.

Plain text

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a> <em> <strong> <span> <blockquote> <ul> <ol> <li> <dl> <dt> <dd> <br> <hr> <h1> <h2> <h3> <h4> <h5> <h6> <i> <b> <img> <del> <center> <p> <color> <dd> <style> <font> <u> <quote> <strike> <caption>
  • تتحول مسارات مواقع وب و عناوين البريد الإلكتروني إلى روابط آليا.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
4 + 8 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.