سيرة الإمام الخميني (1)

10:11 - 2017/01/31

الملخص: في النصف الثاني من عام 1320 هـ، ولد في ايران مولودٌ غيّر ـ فيما بعد، بثورته الالهية ـ مصير ايران والعالم الاسلامي. وفجّر ثورة اصطفت في وجهها منذ البداية القوى المهيمنة علي العالم واعداء حرية الشعوب واستقلالها كافة، سعياً للقضاء عليها. غير أنهم عجزوا ـ بفضل الله ومنّه.

الإمام الخميني,سيرة,ثورة

ولادته:
في يوم العاشر من جمادى الثاني سنة 1320هـ.ق الموافق للثلاثين من شهريور عام 1281هـ.ش (24 أيلول 1902م) رأى النور في هذا العالم رجل كبير اسمه روح الله الموسوي الخميني، ولد لعائلة من أهل العلم والهجرة والجهاد من ذرية السيدة الزهراء الطاهرة (سلام الله عليها)، وذلك في مدينة خمين التابعة للمحافظة المركزية في إيران.
طفولته:
لم يكن قد مضى على ولادة روح الله أكثر من خمسة شهور، حينما انبرى الطواغيت والإقطاعيون المدعومون من قبل الحكومة آنذاك فردّوا بالرصاص على نداء الحق والعدالة الذي أطلقه والده حين تصدى لتعسفهم وجورهم، فنال وسام الشهادة على أيديهم وهو في طريقه من خمين إلى أراك. وهكذا خبر الإمام الخميني منذ نعومة أظفاره آلام اليتم. قضى الإمام الخميني أوان طفولته وصباه في ظل رعاية والدته المؤمنة (السيدة هاجر) وكذلك في كنف عمته الكريمة (صاحبة خانم)، لكنه عاد ليُحرم حنان هاتين المرأتين العزيزتين في سن مبكرة حينما كان في الخامسة عشرة.
والده:
كان والده الجليل المرحوم آية الله السيد مصطفى الموسوي من معاصري المرحوم آية الله العظمى الميرزا الشيرازي (رض) وقد أمضى عدة سنين في النجف الأشرف للاستزادة من العلوم والمعارف الإسلامية نال إثرها درجة الاجتهاد وقفل راجعاً إلى إيران فأقام في خمين ليكون هناك ملاذاً للناس ومرشداً وهادياً لهم في شؤونهم الدينية.
والدته:
والدته المؤمنة (السيدة هاجر) وهي بدورها من بيت علم وتقوى وإحدى حفيدات المرحوم آية الله الخانساري.
مرحلة الدراسة والتدريس:
درس سماحة الإمام في مدينة خمين حتى سن التاسعة عشرة مقدمات العلوم بما فيها اللغة العربية والمنطق والأصول والفقه، لدى أساتذة معروفين. وفي عام1339  للهجرة 1921م التحق بالحوزة العلمية في مدينة أراك. وبعد أن مكث فيها عاماً، هاجر إلى مدينة قم لمواصلة دراسته على يد فقهاء ومجتهدي عصره، اهتم بدراسة علم الرياضيات والهيئة والفلسفة. وفي الوقت الذي اهتم فيه بكسب العلوم، حرص على المشاركة في دروس الأخلاق والعرفان النظري والعملي في أعلى مستوياته لدى المرحوم آية الله الميرزا علي شاه آبادي على مدى ست سنوات.
وفي عام 1347 هـ - 1929م بدأ الإمام الخميني الراحل (قدس سره) بمزاولة التدريس، أي منذ أن بلغ سن السابعة والعشرين من عمره، درّس سماحته الفلسفة الإسلامية والعرفان النظري وأصول الفقه والأخلاق الإسلامية.
الأسرة والأبناء:
اقترن سماحة الإمام الخميني (قدس سره) عام 1929م بكريمة المرحوم آية الله الحاج ميرزا محمد الثقفي الطهراني. وكانت ثمرة هذا الاقتران ثمانية أبناء هم: الشهيد آية الله السيد مصطفى الخميني، وابن اسمه علي توفي في سن الرابعة، والسيّدة صديقة مصطفوي عقيلة المرحوم آية الله اشراقي، والسيّدة فريدة مصطفوي عقيلة السيد الأعرابي، والسيدة فهيمة -زهراء- مصطفوي عقيلة الدكتور السيد البروجردي، وبنت اسمها سعيدة توفيت ولها من العمر سبعة شهور، والمرحوم حجة الإسلام والمسلمين السيد أحمد الخميني، وبنت اسمها لطيفة توفيت وهي طفلة.
مرحلة النضال والثورة:
ابتدأ الإمام الخميني (قدس سره) جهاده في عنفوان شبابه، وواصله طوال فترة الدراسة بأساليب مختلفة بما فيهما مقارعته للمفاسد الاجتماعية والانحرافات الفكرية والأخلاقية.
ففي عام 1943م، ومن خلال تأليفه ونشره لكتاب "كشف الأسرار"، قام سماحته بفضح جرائم فترة العشرين عاماً من حكم رضا شاه - والد الشاه المخلوع- وتولى الرد على شبهات المنحرفين دفاعاً عن الإسلام وعلماء الدين، كما أثار في كتابه هذا فكرة الحكومة الإسلامية وضرورة النهوض لإقامتها.
وانطلق الإمام الخميني (قدس سره) في نضاله العلني ضد الشاه عام 1962م، ذلك حينما وقف بقوّة ضد لائحة "مجالس الأقاليم والمدن" والتي كان محورها محاربة الإسلام. فالمصادقة على هذه اللائحة من قِبَل الحكومة آنذاك كانت تعني حذف الإسلام كشرط في المرشّحين والناخبين؛ وكذلك القبول باستبدال اليمين الدستورية بالكتاب السماوي بدلاً من "القرآن المجيد".
بيد أن سماحته هبّ لمعارضة هذه اللائحة، ودعا مراجع الحوزات العلمية وأبناء الشعب للانتفاض والثورة. وعلى أثر برقيات التهديد التي بعث بها الإمام إلى رئيس الوزراء وقتئذٍ، وخطابات سماحته التي فضحت الحكومة وبياناته القاصمة، وتأييد المراجع لمواقفه. انطلقت المسيرات الشعبية الحاشدة في كل من مدينة قم وطهران وسائر المدن الأخرى؛ مما اضطر نظام الشاه إلى إلغاء اللائحة والتراجع عن مواقفه.
ودفعت مواصلة النضال الشاهَ لارتكاب إحدى حماقاته التي تمثّلت في مهاجمة المدرسة الفيضية بمدينة قم في الحادي والعشرين من آذار عام 1963م، وما هي إلاّ فترة وجيزة حتى انتشر خطاب سماحة الإمام وبياناته حول هذه الفاجعة في مختلف أنحاء إيران. وفي عصر العاشر من محرم الحرام عام 1383 للهجرة – الثالث من حزيران 1963م – فضح الإمام الخميني (قدس سره) عبر خطاب حماسي غاضب، العلاقات السرية القائمة بين الشاه وإسرائيل ومصالحهما المشتركة.
وفي الساعة الثالثة من بعد منتصف ليل اليوم التالي حاصرت القوات الحكومية الخاصة بيت الإمام (قدس سره)، وتم اعتقاله وإرساله مكبلاً إلى طهران.
انتشر خبر الاعتقال بسرعة خاطفة في مختلف أنحاء إيران. وبمجرد أن سمعت الجماهير نبأ اعتقال الإمام (قدس سره)، نزلت إلى الشوارع من الساعات الأولى لفجر الخامس من حزيران 1963، وراحت تعبّر عن استنكارها لعمل الحكومة في تظاهرات حاشدة، أعظمها تظاهرة في قم المقدسة التي شهدت أكبر هذه الاستنكارات والتي هاجمتها قوات النظام بالأسلحة الثقيلة، وكان نتيجتها سقوط العديد من المتظاهرين مضرّجين بدمائهم.
ومع إعلان نظام الشاه الأحكام العرفية في طهران، اشتد قمع تظاهرات أبناء الشعب في تلك الأيام، حيث قتلت وجرحت قوات الحكومة العسكرية الآلاف من أبناء الشعب الأبرياء. وكانت مذبحة الخامس من حزيران 1963م على درجة عالية من القسوة الوحشية. وأخذت تتناقل أخبارها وسائل الإعلام العالمية والمحلية.
وأخيراً ونتيجة لضغط الرأي العام واعتراضات العلماء وأبناء الشعب في داخل البلاد وخارجها، اضطر النظام إلى إطلاق سراح الإمام بعد عشرة أشهر تقريباً من المحاصرة والاعتقال.واصل الإمام جهاده عبر خطاباته الفاضحة للنظام وبياناته المثيرة للوعي. وفي هذه الأثناء تأتي مصادقة الحكومة على لائحة "الحصانة القضائية" التي تنص على منح المستشارين العسكريين والسياسيين الأميركيين الحصانة القضائية، لتثير غضب قائد الثورة وسخطه. فما أن يطلع الإمام الخميني على هذه الخيانة حتى يبدأ تحركاته الواسعة ويقوم بإرسال مبعوثيه إلى مختلف أنحاء إيران، ويعلن لأبناء الشعب عن عزمه بإلقاء خطاب في العشرين من جمادى الآخرة عام 1383هـ. ألقى سماحة الإمام خطابه الشهير في اليوم المعلن دون أن يعبأ بتهديد النظام ووعيده. فانتقد لائحة الحصانة القضائية وحمل بشدّة على الرئيس الأميركي وقتئذ.
أما نظام الشاه فقد رأى أنّ الحل الأمثل يكمن في نفي الإمام إلى خارج إيران. ومرة أخرى حاصرت المئات من القوات الخاصة والمظليين بيت الإمام وذلك في سحر يوم الثالث من تشرين الثاني عام 1964م.
وبعد اعتقال سماحته اقتيد مباشرة إلى مطار مهر آباد بطهران. ومن هناك وطبقاً للاتفاق المسبق، تم نفيه أولاً إلى مدينة أنقرة (تركيا) ومن ثم نُقل إلى مدينة بورساي التركية. وقامت قوات الأمن الإيراني والتركي المكلّفة بمراقبة سماحة الإمام، بمنعه من ممارسة أي نشاط سياسي أو اجتماعي.
مرحلة النفي والإبعاد:
استغرقت إقامة الإمام بتركيا أحد عشر شهراً. وخلال هذه الفترة عمل نظام الشاه بقسوة لم يسبق لها مثيل على تصفية بقايا المقاومة في إيران.
مثّلت الإقامة الجبرية في تركيا فرصة اغتنمها الإمام في تدوين كتابه المهم "تحرير الوسيلة"؛ حيث تطرّق لأول مرة آنذاك في كتابه هذا -الذي يمثّل الرسالة العملية لسماحته-  إلى الأحكام المتعلقة بالجهاد والدفاع والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمسائل المعاصرة.
في يوم 5-10-1965 يُنقل سماحة الإمام برفقة ابنه السيد مصطفى، من تركيا إلى منفاه الثاني بالعراق، ليُقيم في مدينة النجف الأشرف. ومن منفاه في النجف كان سماحة الإمام، فضلاً عن انشغاله بتدريس الفقه لمرحلة (البحث الخارج) وعرضه للأُسس النظرية لمبدأ الحكومة الإسلامية التي حملت عنوان "ولاية الفقيه"، كان يتابع بدقّة الأحداث السياسية التي تشهدها إيران والعالم الإسلامي، رغم كل الصعوبات الموجودة، وكان حريصاً على إيجاد قنوات الاتصال مع الثوريين في إيران، ومع عوائل شهداء انتفاضة الخامس من حزيران، والسجناء السياسيين بشتّى السبل.
وقد وفّر وجود الإمام في العراق الفرصة لأن يكون على اتصال مباشر بالمؤمنين والطلبة المسلمين الموجودين خارج البلاد بنحو أفضل من السابق. وكان لذلك دور كبير في نشر أفكاره وأهداف النهضة على المستوى العالمي.
فأثناء اعتداءات الكيان الصهيوني والحروب العربية الاسرائيلية، بذل الإمام الخميني (قدس سره) جهوداً كبيرة في الدفاع عن نهضة المسلمين الفلسطينيين ودول خط المواجهة من خلال اللقاءات المتعددة التي كان يجريها مع زعماء الفصائل الفلسطينية المناضلة، وقيامه بإرسال المبعوثين إلى لبنان، وإصدار فتواه التاريخية المهمّة التي اعتبر تقديم الدعم العسكري والاقتصادي لثورة الشعب الفلسطيني والبلدان التي تتعرّض للاعتداءات الصهيونية، واجباً شرعياً. وكان ذلك من جملة النشاطات التي تصدر لأول مرة من أحد مراجع الشيعة الكبار.
لقد حافظت بيانات سماحة الإمام الباعثة للوعي ونداءاته المثيرة للعزائم والهمم، التي تناولت الأحداث الداخلية لإيران، على إبقاء مشعل النضال متّقداً دائماً، في الوقت الذي كان الشاه يعيش ذروة جبروته، وكان يحضّر للاحتفال بمرور ألفين وخمسمئة عام على تأسيس الإمبراطورية الشاهنشاهية، وكان منهمكاً في إيجاد نظام الحزب الواحد في البلاد، حزب رستاخيز (البعث).
كانت خطابات الإمام ونداءاته تشحذ الهمم وتبعث الأمل في مثل هذه الظروف، وتزيد من عزم المناضلين ومقاومتهم، الذين كانوا يتعرّضون في غياهب السجون إلى أشد أنواع  التعذيب الوحشي على أيدي أفراد "السافاك"، وهم يمضون فترات أحكامهم الطويلة.

المصدر: موقع الإمام الخامنئي

كلمات دلالية: 

Plain text

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a> <em> <strong> <span> <blockquote> <ul> <ol> <li> <dl> <dt> <dd> <br> <hr> <h1> <h2> <h3> <h4> <h5> <h6> <i> <b> <img> <del> <center> <p> <color> <dd> <style> <font> <u> <quote> <strike> <caption>
  • تتحول مسارات مواقع وب و عناوين البريد الإلكتروني إلى روابط آليا.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
1 + 16 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.