اختلاق ذرائع واهية لهدم البقيع

11:49 - 2021/05/30

لقد لاذ الوهّابيّون باختلاق الذرائع الواهية الّتي تعبد الطريق لهدم المراقد الطاهرة و القباب الشريفة لاهل البيت عليهم السلام في بقيع الغرقد. و ممّا قيل في هذا الخصوص: إنّ البقيع أرض موقوفة، و يلزم أن يُستفاد منها في مورد الوقف الّذي نوى الواقف، فيجب القضاء على كلّ ما يوجب الحدّ من الاستفادة عن الغرض المقصود كالابنية والقباب. ولكن سترى في المقال التالي أن هذا الكلام دعوى فارغة ولم يرد في خلال أي كتاب تأريخي أنها أرض موقوفة بل الأمر بالعكس تماما.

بقيع الغرقد,البقيع,هدم البقيع

لقد لاذ الوهّابيّون باختلاق الذرائع الواهية الّتي تعبد الطريق لهدم المراقد الطاهرة و القباب الشريفة لاهل البيت عليهم السلام في بقيع الغرقد. و ممّا قالوا ـ بهذا الخصوص ـ : إنّ البقيع أرض موقوفة، و يلزم أن يُستفاد منها لنفس الغرض الّذي وقفها صاحبها، و يجب القضاء على كلّ ما يوجب الحدّ من الاستفادة عن الغرض المقصود، ولا شك أن البناء و نصب الأعمدة و الجدران في هاته الأرض يوجب الحدّ من الانتفاع  بجزء منها، فأرض البقيع موقوفة لدفن الموتى، و من الواضح أنّ نصب الأعمدة و الجدران ـ للبناء ـ يحتلّ قسما من الأرض، إذ لا يتأتى الدفن تحت الأعمدة و الجدران، و هذا ينجر إلى الحدّ من الاستفادة للغرض المقصود، و لهذا تجب إزالة ما على هذه الأرض من بناء كي يمكن الدفن في كلّ بقعة فيها.
ولكن لا ريب في أنّ هذا النوع من الاحتجاج ليس إلاّ تسرّعاً في الحكم و ابتعاداً عن الحق، يريد به الوهّابية القضاء على آثار أهل البيت عليهم السلام مهما كلف الأمر، و حتّى لو أفلَس من الأدلّة فإنّه يأمرُ بالهدم بحكم القوة و العنف و الشدة والقساوة، و ما هذا الدليل إلاّ للتمويه على عوام المسلمين و بسطائهم بأنّه يفتي بما أنزل اللّه، و لهذا تراه يعتبر البقيع أرضاً موقوفة  للدفن و لكن هذا الدليل ـ كسائر أدلّتهم ـ عليل لعدة أسباب:
الأوّل: لم يَرد في أىّ كتاب ـ من كتب التاريخ و الحديث ـ ما يشير إلى أنّ أرض البقيع موقوفة، و لم يصرّح به أحد من المؤرّخين و المحدّثين. هذه كُتب التاريخ بين يديك، لا ترى فيها أثراً لهذا القول، بل أنه يُحتمل قويّاً أنّ البقيع كانت أرضاً مواتاً متروكةً كسائر الأراضي الموات، و كان أهل المدينة يدفنون موتاهم فيها، و على هذا فأرض البقيع كانت من المباحات الأوَّلية الّتي يجوزالتصرّف فيها مطلقاً، بأىّ شكل كان.
لقد كان الناس ـ في العهود السابقة ـ غير حريصين على تملّك الأراضي البائرة الموات، إذ لم تكن الإمكانيّات متوفّره لديهم للقيام بالبناء و العمران إلاّ قليلا، كما لم تبدأ ـ يومذاك ـ هجرة أهل القرى إلى المُدن، و لم تكن هناك مشكلة باسم مشكلة الأرض و أفراد باسم محتكري الأرض ومؤسّسات عقاريّة باسم بورصة الأراضي و لهذا فإنّ أراضي واسعة كانت متروكة بلا مالك، وهي ما يُعبَّر عنها في الشريعة الإسلامية بـالمباحات و الأراضي الموات.
و قد جرت العادة ـ في المدن و القرى ـ بأن يُخصِّص الناس قطعة من الأرض لدفن الموتى فيها، أو كان واحد منهم يَدفن فقيده في أرض، و يتبعه الآخرون في ذلك، من دون التفات إلى الوقف أصلا.
و أرض البقيع ليست مستثناة من هاته القاعدة، فلم تكن الأرض ـ في الحجاز و المدينة ـ ذات قيمة، و مع وجود هاته الأراضي الموات المحيطة بالمدينة لم يكن يُقدم إنسان على وقف أرض زراعية ـ مثلا ـ لدفن الموتى، لأنّ الأراضي الزراعية كانت قليلة، بعكس الأراضي الموات فإنها كانت كثيرة و من المباحات الأوّلية.
و الجدير بالذكر أنّ التاريخ أيضاً يؤكّد هذه الحقيقة. يقول السمهودي في كتاب «وفاء الوفا»: «أوّل من دَفن رسول اللّه بالبقيع: عثمان بن مظعون... و لمّا توفّي إبراهيم بن رسول اللّه أمر أن يُدفن عند عثمان بن مظعون، فرغب الناس في البقيع و قطعوا الشجر، فاختارت كلّ قبيلة ناحية، فمن هنالك عَرفت كلُّ قبيلة مقابرها... كان البقيع غرقداً[1] فلمّا هلك عثمان بن مظعون و دُفن في البقيع قُطع الغرقد عنه».[2]
لقد ظهر من كلام السمهودي ـ أنّ أرض البقيع كانت مواتاً، و تمَّ تقسيمها إلى عدَّة قِطع بعد ما دُفن أحد الصحابة فيها، و خُصّصت كلّ قطعة منها لقبيلة من القبائل و بيت من البيوتات، أمّا أن تكون موقوفة فلاترى لها أثراً في التاريخ، بل يُستفاد من التاريخ أنّ البقعة الّتي تحتضن أجساد الأئمة الطاهرينـ عليهم السلام ـ في البقيع كانت داراً لعقيل بن أبي طالب، و أنّ تلك الأجساد الطاهرة إنّما دُفنت في دار تعود إلى بني هاشم.
دُفن العباس بن عبدالمطّلب عند قبر فاطمة بنت أسد ابن هاشم في أوّل مقابر بني هاشم الّتي في دار عقيل.
و يقول أيضاً: عن سعيد بن محمّد بن جبير أنّه رأى قبر إبراهيم ابن رسول اللّه عند الزوراء... و هي الدار الّتي صارت لمحمّد بن زيد بن علي... و أنّ سعد بن معاذ دفنه رسول اللّه في طرف الزقاق الّذي يلزق دار المقداد بن الأسود... و هي الدار الّتي يقال لها: دار ابن أفلح، في أقصى البقيع، عليها جُنبذة.[3][4]
هذه العبائر بمجموعها تؤكّد على أنّ أرض البقيع لم تكن وقفاً، و أنّ أجساد الأئمة الطاهرينـ عليهم السلام ـ إنما دُفنت في بيوتهم المملوكة.
فهل يجوز بعد كلّ ما سَبق، هدم آثار آل رسول اللّهـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ و تسويتها مع الأرض بحجّة أنها لا تنسجم مع الوقف؟!و لو فرضت ـ جَدَلا ـ أنّ أرض البقيع موقوفة، فهل ثمة ما يُثبت كيفية وقفها؟! و لعلّ مالك الأرض قد سمح بإقامة البناء و القباب على قبور الشخصيّات المرموقة الّتي تُدفن فيها؟!
نحن لا نعلم تفصيل الموضوع، والشيء الّذي نعلمه هو أنّ المسلمين أقاموا البناء و القباب على تلكم القبور، و يجب حمل فعل المسلم على الصحة و الابتعاد عن اتّهامه و نسبة المعصية إليه.
و على هذا الأساس فإنّ هدم تلكم القباب المطهرة و الأبنية المحترمة يعد محرماً بيِّناً ومخالفةً قطعيّة للأحكام الشرعيّة الثابتة.

المصادر:
[1] . الغرقد: شجر مخصوص و هو يتواجد كثيراً في صحاري المدينة المنوَّرة و أطرافها.
[2] . وفاء الوفا: 2/84.
[3] . الجنبذة: القبّة.
[4] . وفاء الوفا: 2/96.

Plain text

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a> <em> <strong> <span> <blockquote> <ul> <ol> <li> <dl> <dt> <dd> <br> <hr> <h1> <h2> <h3> <h4> <h5> <h6> <i> <b> <img> <del> <center> <p> <color> <dd> <style> <font> <u> <quote> <strike> <caption>
  • تتحول مسارات مواقع وب و عناوين البريد الإلكتروني إلى روابط آليا.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
11 + 8 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.