الملخص: القرآن كتاب يسمو على أفكار البشر، و لم يستطع أحد حتى اليوم أن يأتي بمثله، و هو معجزة سماوية كبرى. هذا الكتاب الكريم يعتبر- بين معاجز النّبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم- أقوى سند حيّ على نبوة الرّسول الخاتم، لأنه معجزة «ناطقة» و «خالدة» و «عالمية» و «معنوية».
القرآن كتاب يسمو على أفكار البشر، و لم يستطع أحد حتى اليوم أن يأتي بمثله، و هو معجزة سماوية كبرى. هذا الكتاب الكريم يعتبر- بين معاجز النّبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم- أقوى سند حيّ على نبوة الرّسول الخاتم، لأنه معجزة «ناطقة» و «خالدة» و «عالمية» و «معنوية».
أمّا أنّه معجزة «ناطقة» فإنّ معاجز الأنبياء السابقين لم تكن كذلك، أي أنها كانت بحاجة إلى وجود النّبي لكي يتحدث للناس عن معجزته و يتحداهم بها، و معاجز النّبي الخاتم- عدا القرآن- هي من هذا اللون. أما القرآن فمعجزة ناطقة. لا يحتاج إلى تعريف، يدعو لنفسه بنفسه، يتحدى بنفسه المعارضين و يدينهم و يخرج منتصرا من ساحة التحدي. و هو يتحدى اليوم جميع البشر كما كان يتحداهم في عصر الرسالة. إنه دين و معجزة، إنه قانون، و وثيقة تثبت الهية القانون.
أما الخلود و العالمية: فإنّ القرآن حطم سدود «الزمان و المكان» و تعالى عليهما، لأن معاجز الأنبياء السابقين- و حتى معاجز النّبي الخاتم غير القرآن مسجلة على شريط معين من الزمان، و واقعة في مساحة معينة من المكان، و أمام جمع معدود من النّاس، مثل معاجز عيسى عليه السّلام كحديثه في المهد و إحيائه الموتى. و واضح أن الأحداث المقيّدة بزمان و مكان معينين تمسي صورتها باهتة كلما ابتعدنا عن ظروفها الزمانية و المكانية. و هذا من خصائص الأمور الزمنية. لكن القرآن لا يرتبط بالزمان و المكان، فهو يطلع علينا اليوم كما طلع على عرب الجاهلية قبل قرون، بل إن مرور الزمن زاد البشرية قدرة في العلم و الإمكانات لتستفيد منه أكثر من ذي قبل، و ما لا يرتبط بزمان أو مكان فانه يحوي عناصر الدوام و الخلود وسعة دائرته العالمية، و بديهي أن الدين العالمي الخالد بحاجة إلى مثل هذه الوثيقة العالمية الخالدة.
أمّا الصّفة «المعنوية» للقرآن فنفهمها حين ننظر إلى معاجز الأنبياء السابقين، و نرى أنها كانت غالبا «جسمية» مثل: شفاء الأمراض الجسمية المستعصية، و تحدث الطفل في المهد ... و كانت تتجه نحو تسخير الأعضاء البدنية. أما القرآن، فيسخر القلوب و النفوس، و يبعث فيها الإعجاب و الإكبار. إنه يتعامل مع الأرواح و الأفكار و العقول البشرية، و واضح امتياز مثل هذه المعجزة على المعاجز الجسمية.
المصدر: «الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل»، مکارم شیرازی، ناصر، قم، الطبعة الاولى، 1421ق، ج1، ص: 122