إتباع السنة بدل العترة في حديث الثقلين

بعض الذين يسعون لإلقاء الشبهات في الدين، يقولون أنه لم تُذكر العترة إلى جانب القرآن في حديث الثقلين، بل المذكور هو الرجوع إلى السنة؛ وقد عمل الشيعة على دَسّ كلمة العترة أو أهل البيت في هذا الحديث. من أجل الرد على هذه الشبهة يجب بيان بعض المسائل:
ماهو حديث الثقلين وماذا يقول؟
حديث الثقلين من جملة الأحاديث المشهورة المروية عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). إسم الحديث مأخوذ من كلمة الثقلين المذكورة في الحديث. الثقلان بمعنى شيئين ثمينين وذواقيمة.
قد نقل هذا الحديث من قِبَل علماء الشيعة وأهل السنة كرارا مع إختلاف يسير؛ إلى أن حكموا بتواتره. نقل هذا الحديث 25، [1] وبرواية أخرى 35 صحابيا، [2] و خلال 13 قرنا ذكره 150 عالما من علماء أهل السنة في مصنفاتهم.

نقل كتاب الكافي الشريف
جاء هذا الحديث في كتاب الكافي الذي يُعد من كتب الشيعة الأربع، بالصورة التالية:
...إِنِّی تَارِک فِیکمْ أَمْرَینِ إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِمَا لَنْ تَضِلُّوا- کتَابَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ أَهْلَ بَیتِی عِتْرَتِی أَیهَا النَّاسُ اسْمَعُوا وَ قَدْ بَلَّغْتُ إِنَّکمْ سَتَرِدُونَ عَلَی الْحَوْضَ فَأَسْأَلُکمْ عَمَّا فَعَلْتُمْ فِی الثَّقَلَینِ وَ الثَّقَلَانِ کتَابُ اللَّهِ جَلَّ ذِکرُهُ وَ أَهْلُ بَیتِی... [3]

نقل صحيح مسلم والسائرين
صحيح مسلم الذي يعد من الصحاح الستة لدى أهل السنة، ينقل هذا الحديث على الصورة التالية:
زَيدُ بنُ أرقَمَ: قامَ رَسولُ اللّهِ (صلى‏الله‏عليه ‏وآله) يَومًا فينا خَطيبًا بِماءٍ يُدعى «خُمًّا» بَينَ مَكَّةَ والمَدينَةِ، فَحَمِدَ اللّهَ وأثنى عَلَيهِ ووَعَظَ وذَكَّرَ، ثُمَّ قالَ: أمّا بَعدُ، ألا أيُّهَا النّاسُ، فَإِنَّما أنَا بَشَرٌ يوشِكُ أن يَأتِيَ رَسولُ رَبّي فَاجيبَ، وأنَا تارِكٌ فيكُم ثَقَلَينِ: أوَّلُهُما كتابُ اللّهِ فيهِ الهُدى والنّورُ، فَخُذوا بِكتابِ اللّهِ واستَمسِكوا بِهِ. فَحَثَّ عَلى كِتابِ اللّهِ ورَغَّبَ فيهِ، ثُمَّ قالَ: وأهلُ بَيتي، اذَكِّرُكُمُ اللّهَ في أهلِ بَيتي، اذَكِّرُكُمُ اللّهَ في أهلِ بَيتي، اذَكِّرُكُمُ اللّهَ في أهلِ بَيتی. [4]
قد نُقل هذا الحديث في المصادر الأخرى بنفس الصورة، كسنن الدارمي ومسند أحمدبن حنبل والسنن الكبرى و... . [5]

نقل سنن النسائي
جاء هذا الحديث الشريف في سنن النسائي، أحد الصحاح الستة بالصورة التالية:
كَأَنِّي قَدْ دُعِيتُ فَأَجَبْتُ، إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ، أَحَدُهُمَا أَكْبَرُ مِنَ الْآخَرِ: كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى، وَعِتْرَتِي، فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِي فِيهِمَا، فَإِنَّهُمَا لَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْض. [6]

كلمة «سنتي» في حديث الثقلين
في بعض النقول الشاذة عن بعض الرواة الضعاف، نرى كلمة «سنتي» بدلا عن «عترتي» أو «أهل» بيتي في هذا الحديث الشريف. ولكن من أجل أنها نقول نادرة ويوجد في سلسلة أسانيدها بعض الرواة الضعاف، حكم ببطلانها أهل السنة. مثلا في أحد هذه النقول نرى هذا الحديث الشريف على ما حكاه الحاكم النيشابوري بالنص التالي:
إِسْمَاعِيل بْن أَبِي أُوَيْسٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَقَالَ: ( ... إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ فَلَنْ تَضِلُّوا أَبَدًا كِتَابَ اللَّهِ ، وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. [7]
أولا؛ إبن أبي أويس وأبوه كلاهما من وجهة نظر أهل السنة من الرواة الضعاف فلاعبرة بأحاديثهما. [8]
ثانيا؛ إن الحاكم بعد نقل هذا الحديث بالصورة المذكورة، يقول:
وَذِكْرُ الِاعْتِصَامِ بِالسُّنَّةِ فِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ غَرِيبٌ. [9]

الكلام الأخير
طبقا لروايات الشيعة وصحاح أهل السنة، أوصى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أمته بشيئين ثمينين أي القرآن وأهل بيته؛ وبيّن طريق الهداية في إتّباعهم. ومع أن في بعض نقول أهل السنة، توجد كلمة السنة بدل كلمة العترة، إلا أننا بعد دراستنا الروايات المذكورة ومطالعة أسانيدها، وجدنا أن بعض رجال أسانيد هذه الروايات ضعاف عند أهل السنة أنفسهم ولم يعتنوا بأحاديثهم.

المصادر
[1] إبن حجر الهيتمي، الصواعق المحرقة، ج۱، ص۱۵۰ 
[2] حسین راضي، سبیل النجاة في تتمة المراجعات، ج۱، ص۱۷۱۹
[3] الکلیني، الکافي، ج۱، ص۲۹۴
[4] مسلم إبن الحجاج النیشابوري، صحیح مسلم، ج۴، ص۱۸۷۳، ح۲۴۰۸
[5] عبدالله بن عبدالرحمن الدارمي، سنن الدارمي، ج۲، ص۸۸۹، ح۳۱۹۸؛ أحمد بن حنبل، مسند أحمد، ج۷، ص۷۵، ح۱۹۲۸۵؛ احمد بن الحسین البیهقي، السنن الكبرى، ج۱۰، ص۱۹۴، ح۲۰۳۳۵؛ ابن عساکر، تهذيب تأريخ دمشق، ج۵، ص۴۳۹.
[6] المكتبة الشاملة، أحمد بن علي النسائي، السنن الکبرى، ج5، ص45، ح ۸۱۴۸
[7] المكتبة الشاملة، الحاكم النيشابوري، المستدرك على الصحيحين، ج۱، ص 171
[8] المكتبة الشاملة، یوسف المزي، تهذیب الکمال في أسماء الرجال، ج۳، ص ۱۲۷
[9] المكتبة الشاملة، الحاكم النيشابوري، المستدرك على الصحيحين، ج۱، ص 171