من رحمة الله تعالى على النبي صلى الله عليه وآله، أنه استطاع أن يواجه الغلظة والخشونة التي كان يمتلكها الناس في ذلك الوقت، بلين في الكلام والجانب، وبهذه الطريقة تمكن أن يرقق قلوبهم ويؤثر عليهم تأثيراً مباشراً.
نزل قوله تعالى مخاطباً رسوله الكريم صلى الله عليه وآله: "فَبِمَا رَحْمَةٖ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ"[1]
إن قوله تعالى:"فَاعْفُ عَنْهُمْ" إي: فاعف عنهم إذا واجهوك بأخلاق جافة أو بغلظة وشدة، فقد كان يأتي أحدهم ويجذب الرسول من ثوبه أو ينام علی بطنه ويرفع رجليه، ويقول: حدثنا يا محمد...! فكان يواجههم النبي صلى الله، عليه وآله بلين الكلام والجانب، فينتبهون إلى أخطائهم ثم يتأثرون بهذه الأخلاق ويدخلون في دين الله أفواجاً.
رسول اللَّهِ يشاورهم
إن النبي صلى الله عليه وآله مع كونه مسدداً من الله، تعالى لقوله:"وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ"[2]مع ذلك يطلب منه أن يشاورهم في الأمر"وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ" ليس لاحتياج الرسول لمشورتهم وإنما لكسب قلوبهم، فالإنسان حينما يلاحظ أن الرسول صلی الله عليه وآله، واجه أخلاقه السيئة بأخلاق حسنة وعفا عنه، وطلب من الله، المغفرة له، ثم بعد ذلك كله يأتي ويستشيره في الأمور، وهو الغني عن الاستشارة، وهو الحاكم الذي يتمكن من أن لا يستشير أحداً وينفذ ما يريد، فهذا يؤدي إلى تنبههم إلى أخطائهم وتقبلهم لكلام الرسول صلی الله عليه وآله، على نحو أفضل.
وبناءً على هذا يقول الإمام الصادق عليه السلام: "كونوا دعاة إلى أنفسكم بغير ألسنتكم"[3]أي أن يكون عملك بطريقة تجعل الناس مستعدين لفتح قلوبهم، والاستماع إلى كلام الحق، الذي يؤثر في القلوب السليمة.
المصادر:
[1] . سورة آل عمران، الآية 159.
[2] . سورة النجم، الآية 3-4.
[3] . الكافي، الكليني، ج2، ص77.