رفع اليدين إلى السماء

08:55 - 2021/05/17

-

الدعاء,التوجه الى السماء,رفع اليدين الى السماء

من الواضح أنّ اصول المعلومات لدى‌ الإنسان بأجمعها تستمدّ من المحسوسات أوّلًا، لأنّ الإنسان حينما يفتح عينيه يلاحظ عالم المادّة ويتعرّف على‌ عالم المحسوسات والطريق الموصل إلى ما وراء الحسّ، بل وتصوّر الوجود المجرّد عن الزمان والمكان والمادّة يتمّ بعد الدراسة والتحليل في المسائل الفكرية والعقلية والروحانية، فلا غرو إذن أن تكون عبادة الأصنام مذهباً للُامم المتخلّفة.
فمن جهة يعلو نداء عبادة اللَّه من باطن فطرتهم وتدعوهم قوى المعرفة الإلهيّة إليه، ومن جهة اخرى وبسبب مغلوبيتهم أمام عالم الحسّ والمادّة تصعُب عليهم معرفة اللَّه المجرّد عن الزمان والمكان والمادّة، ولذلك فإنّهم يسيرون في طريق الشرك ويشفون ظمأ أرواحهم بالآلهة الخيالية بصورة كاذبة.
وبما أنّ مجموعة من خدمة معبد الأصنام بل الكثير من الحكّام الطغاة ينتفعون من هذا الأمر فإنّهم يرغبون فيه، وفي النهاية يصبح كدينٍ رسمي للبلاد.
ومن العجيب أن تترسّب هذه الأفكار أحياناً في أعماق الكثير من عباد اللَّه الحقيقيين، وللمثال على ذلك أنَّ بعض الناس يقول في قَسَمه: قسماً باللَّه الذي هو في السماء!! ويتصوّرون أنّنا حينما نرفع أيدينا إلى السماء حين الدعاء أنّ ذلك إشارة إلى اللَّه وأنّه يجلس على كرسي الإقتدار وقد اجتمعت الملائكة من حوله!
إنَّ هؤلاء غافلون حقّاً، فليس اللَّه في السماء وليس في رفع اليد في الدعاء إشارة إلى مركزه، بل إنّ رفع اليد يعني التسليم والإضطرار، أو كما ورد في بعض الروايات إنّ السبب هو نزول النعم الإلهيّة من السماء، فالمطر وضوء الشمس- وهما العمدة في حياة كلّ موجود حي- مصدرهما من السماء والتوجّه إلى السماء توجّه إلى الخالق العظيم لهذه النعم.
وعلى كلّ حال، ما لم ينضج الإنسان فكرياً يصعب زوال آثار الشرك عنه، فبنو اسرائيل الذين تربّوا في مدرسة التوحيد سنين طوال عند نبي من اولي العزم موسى (عليه السلام) وشاهدوا آثار عظمته بأعينهم عند نجاتهم من قبضة الفراعنة واجتيازهم النيل، وبمجرّد مرورهم على عبدة الأصنام وملاحظتهم الأصنام رجعوا وطالبوا موسى (عليه السلام) بأن يجعل لهم صنماً، فواجههم موسى بردّ فعل شديد وندموا على مقالتهم، ولم يمض وقت طويل عندما توجّه موسى (عليه السلام) إلى جبل الطور بصورة مؤقتة لكي يأخذ الألواح وأحكام الشريعة حتّى استغلّ السامري هذه الغيبة ليصنع لهم صنماً ودعا بني اسرائيل لعبادته، فترك أكثرهم طريق التوحيد وركعوا لعجل السامري وبقيت فئة قليلة مع أخ موسى (هارون) ملتزمةً بنهج التوحيد وهذا يشير إلى أنّ القادة السائرين في طريق التوحيد وخصوصاً أمام الأقوام المتخلّفة التي ترعرعت في أجواء الشرك يواجهون مشكلات كبيرة، وغسل آثار الشرك أساساً من القلوب ليس باليسير ويحتاج إلى تربية فكرية وتربية ثقافية صحيحة.
كما أن الوهابية أيضا يعدون رفع الرأس و اليدين إلى السماء عند الدعاء دليلا على كون الله تعالى في السماء ولكن المساكين لا يدرون أنه رمز الضراعة إلى اللّه و الابتهال إليه، فإنّ الانسان في فطرته يعلم بأنّ تدابير شئون هذه الحياة المادية، إنّما تتخذ في عالم آخر غير مادي، حيث يشاهد أنّ ما أحاط به من مظاهر هذا الكون جميعا أمثاله، ذوات حاجة و افتقار إلى من يدبّر شئونها، و من يقوم بسداد خللها، فلا بدّ أنّ وراء هذا المظهر ذي النقص و العجز، من جهاز مقتدر غني ذي قدرة و كمال، هو الذي يقوم بهذا التدبير و ذاك السداد، و ما هو إلّا عالم خارج عن المادة المفتقرة في ذاتها.
و إذا كان الانسان يرى من ذاك العالم اللامادي وراء هذا العالم، فانّه يراه محبطا به من كل الجوانب، احاطة المدبر- بالكسر- بالمدبر- بالفتح-، و أعلى منه، علو الكمال على النقص، و متبائنا منه، تبائن القدرة عن العجز.
و بعد فإذا كان الانسان يرى ما بين العالمين هذا التباعد، و كان يرى من عالم الشهود مد بصره في جميع جوانبه، يا ترى، فأين يقع عالم الغيب؟! لا بدّ أنّه محيط بهذا العالم، و إذا كان محيطا به فهو فوقه، لأنّ كلّ محيط بجسم كرّي فهو فوقه من جميع الجهات لا محالة، هكذا يتصوره تجسيم الخيال. إذن فعالم الغيب هو فوق هذا العالم الذي نعيش فيه هذه العيشة المادية، قياسا لغير المحسوس بالمحسوس في كلّ ما يتصوره الإنسان من شئون ماوراء محسوسه إذا ما قاسها بما لديه من محسوسات.
قال تعالى: وَ إِنْ مِنْ شَيْ‏ءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَ ما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ[1] تنزيلا من عالم الغيب إلى عالم الشهود، الأمر الذي دعا بالمؤمنين و غير المؤمنين من سائر الموحدين، بل و من كلّ من يعتقد بما وراء الحس و الشهود، أنّ الرحمة و البركات تنزل من عند اللّه العلي القدير، من عالم هو أسمى و أسنى: وَ فِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَ ما تُوعَدُونَ.[2]
و هكذا جاء في كلام الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في جواب ابن سبأ عند ما سأله عن سبب رفع اليدين إلى السماء عند الدعاء.[3]
وروى أحمد بن فهد الحلّي مرفوعا إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أنّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان يرفع يديه إذا ابتهل و دعا، كما يستطعم المسكين و روى أبو جعفر الصدوق بالإسناد إلى هشام بن الحكم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث- أنّ سائلا سأله عن الفرق بين أن ترفعوا أيديكم إلى السماء و بين أن تخفضوها نحو الأرض؟ فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «ذلك في علمه و إحاطته و قدرته سواء، و لكنّه- عزّ و جلّ- أمر أولياءه و عباده برفع أيديهم إلى السماء نحو العرش، لأنّه جعله معدن الرزق». قال: فثبّتنا ما ثبّته القرآن و الأخبار عن الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حين قال: «ارفعوا أيديكم إلى اللّه- عزّ و جلّ-». قال الصادق عليه السّلام: «و هذا يجمع عليه فرق الأمّة كلّها»[4]

المصادر:
[1]. الحجر: 21.
[2]. الذاريات: 22.
[3]. الملل و النحل للشهرستاني: ج 1، ص 105.
[4]. التوحيد: 248؛ الوسائل 7: 47/ 5. .

إن الوهابية يعدون رفع الرأس و اليدين إلى السماء عند الدعاء دليلا على كون الله تعالى في السماء ولكن المساكين لا يدرون أنه رمز الضراعة إلى اللّه و الابتهال إليه، فإنّ الانسان في فطرته يعلم بأنّ تدابير شئون هذه الحياة المادية، إنّما تتخذ في عالم آخر غير مادي، و إذا كان الانسان يرى من ذاك العالم اللامادي وراء هذا العالم، فانّه يراه أعلى منه، علو الكمال على النقص، و متبائنا منه، تبائن القدرة عن العجز. و بعد فإذا يرى من عالم الشهود مد بصره في جميع جوانبه، يا ترى، فأين يقع عالم الغيب؟! لا بدّ أنّه محيط بهذا العالم، و إذا كان محيطا به فهو فوقه، إذن فعالم الغيب هو فوق هذا العالم الذي نعيش فيه هذه العيشة المادية، قياسا لغير المحسوس بالمحسوس في كلّ ما يتصوره الإنسان من شئون ماوراء محسوسه إذا ما قاسها بما لديه من محسوسات.

Plain text

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a> <em> <strong> <span> <blockquote> <ul> <ol> <li> <dl> <dt> <dd> <br> <hr> <h1> <h2> <h3> <h4> <h5> <h6> <i> <b> <img> <del> <center> <p> <color> <dd> <style> <font> <u> <quote> <strike> <caption>
  • تتحول مسارات مواقع وب و عناوين البريد الإلكتروني إلى روابط آليا.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
2 + 0 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.