-يرى أغلب علماء أهل السنة أن إحياء ذكرى ولادة الرسول الكريم أمر طبيعي ويجب على كل فرد أن يشكر هذه النعمة العظيمة. ويعتقدون أن مناسبة يوم ميلاد رسول الله يوم فرح وسعادة للمسلمين ويولون أهمية خاصة لهذا اليوم المبارك.
إن إقامة احتفالات عيد الميلاد، هو جانب مشترك له أهمية خاصة بين جميع المسلمين في العالم الإسلامي، لأن مناسبة هذا اليوم تظهر فيه وحدة المسلمين وتكاتفهم مع بعضهم البعض. لكن الوهابية الشريرة بفتاواها تعتبر الفرح بتلك المناسبة واقامة الاحتفالات بدعة.
لقد حرّم ابن باز مفتي المملكة العربية السعودية، في فتاواه الصادرة كل تكريم وتقدير يُقام لمناسبة الاحتفال بمولد الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم، قال:«لَا يجوز الاحتفال بمولد الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا غَيره لِأَن ذَلِك من الْبدع المحدثة فِي الدّين لِأَن الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يَفْعَله وَلَا خلفاؤه الراشدون وَلَا غَيرهم من الصحابة»(1).
لكن هل يوجد لهذه المناسبة اصل في الشرع؟ قال ابن حجر: قَدْ ظَهَرَ لِي تَخْرِيجُهَا عَلَى أَصْلٍ ثَابِتٍ وَهُوَ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَوَجَدَ الْيَهُودَ يَصُومُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَسَأَلَهُمْ فَقَالُوا: هُوَ يَوْمٌ أَغْرَقَ اللَّهُ فِيهِ فرعون وَنَجَّى مُوسَى فَنَحْنُ نَصُومُهُ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى» ، فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ فِعْلُ الشُّكْرِ لِلَّهِ عَلَى مَا مَنَّ بِهِ فِي يَوْمٍ مُعَيَّنٍ مِنْ إِسْدَاءِ نِعْمَةٍ أَوْ دَفْعِ نِقْمَةٍ، وَيُعَادُ ذَلِكَ فِي نَظِيرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنْ كُلِّ سَنَةٍ، وَالشُّكْرُ لِلَّهِ يَحْصُلُ بِأَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ كَالسُّجُودِ وَالصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ وَالتِّلَاوَةِ، وَأَيُّ نِعْمَةٍ أَعْظَمُ مِنَ النِّعْمَةِ بِبُرُوزِ هَذَا النَّبِيِّ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ؟(2)
واذا كانت هذه المناسبة لها اصل في الشرع فلا يضر لو أن الصحابة والسلف لم يعملوا بها، قال الشافعي:«كل ما له مستند من الشرع فليس ببدعة وإن لم يعمل به السلف، لأن تركهم للعمل به قد يكون لعذر قام لهم في الوقت، أو لما هو أفضل منه، أو لعله لو بلغ جميعهم عمل به، والأحكام مأخوذة من الشارع وقد أثبته»(3)
لذا علماء أهل السنة يحتفلون ويبتهجون بمناسبة هذا اليوم تكريماً له. وقد سُئل السيوطي «عَنْ عَمَلِ الْمَوْلِدِ النَّبَوِيِّ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، مَا حُكْمُهُ مِنْ حَيْثُ الشَّرْعُ؟ وَهَلْ هُوَ مَحْمُودٌ أَوْ مَذْمُومٌ؟ وَهَلْ يُثَابُ فَاعِلُهُ أَوْ لَا؟ قال: عِنْدِي أَنَّ أَصْلَ عَمَلِ الْمَوْلِدِ الَّذِي هُوَ اجْتِمَاعُ النَّاسِ وَقِرَاءَةُ مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ وَرِوَايَةُ الْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِي مَبْدَأِ أَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا وَقَعَ فِي مَوْلِدِهِ مِنَ الْآيَاتِ، ثُمَّ يُمَدُّ لَهُمْ سِمَاطٌ يَأْكُلُونَهُ وَيَنْصَرِفُونَ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ عَلَى ذَلِكَ - هُوَ مِنَ الْبِدَعِ الْحَسَنَةِ الَّتِي يُثَابُ عَلَيْهَا صَاحِبُهَا لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْظِيمِ قَدْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِظْهَارِ الْفَرَحِ وَالِاسْتِبْشَارِ بِمَوْلِدِهِ الشَّرِيفِ»(4)
فالسيوطي يعتبر مناسبة ولادة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من المناسبات التي ينبغي الاهتمام بها، ايضاً قال: «وَأَمَّا مَا يُعْمَلُ فِيهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقْتَصَرَ فِيهِ عَلَى مَا يُفْهِمُ الشُّكْرَ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنَ التِّلَاوَةِ وَالْإِطْعَامِ وَالصَّدَقَةِ وَإِنْشَادِ شَيْءٍ مِنَ الْمَدَائِحِ النَّبَوِيَّةِ وَالزُّهْدِيَّةِ الْمُحَرِّكَةِ لِلْقُلُوبِ إِلَى فِعْلِ الْخَيْرِ وَالْعَمَلِ لِلْآخِرَةِ»(5).
_____________
المصادر:
(1). عبد العزيز بن باز، فتاوى مهمة لعموم الأمة ، دار العاصمة - الرياض - 1413هـ ، الطبعة الاولى، ج1، ص35.
(2) جلال الدين سيوطی، الحاوی للفتاوی، ج1، ص229.
(3) زرورق،شهاب الدين،الرقائق والآداب والأذكار،المحقق: الصادق بن عبد الرحمن الغرياني الناشر: دار ابن حزم،الطبعة: الأولى، ١٤٢٧ هـ - ٢٠٠٦ م (ص39)
(4)جلال الدين السيوطی، الحاوی للفتاوی، ج1، ص221.
(5). جلال الدين السيوطی، الحاوی للفتاوی، ج1، ص229.