عن القرابين عند الأضرحة

وقد اعتبر شيوخ الوهابية الذبح نيابة عن أولياء الله وأوصيائه كمثال للذبح لغير الله وبالطبع سبب للشرك. إنهم لإثبات ادعائهم ، استشهدوا بحجج منها الآية ، " قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَ نُسُكِي وَ مَحْيايَ وَ مَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِين ".[1] وكمثال على ذلك ، كتب ابن باز شهيرة الاسم المألوف للوهابية: "من المعلوم بالأدلة من الكتاب والسنة، أن التقرب بالذبح لغير الله من الأولياء أو الجن أو الأصنام أو غير ذلك من المخلوقات شرك بالله ومن أعمال الجاهلية والمشركين، قال الله عز وجل: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}".[2]

ابن عثيمين العالم الوهابي الآخر يقول: "الذبح لغير الله شرك أكبر لأن الذبح عبادة كما أمر به في قوله: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) وقوله سبحانه: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) ... فمن ذبح لغير الله فهو مشرك شركاً مخرجاً عن الملة -والعياذ بالله- سواء ذبح ذلك لملك من الملائكة، أو لرسول من الرسل، أو لنبي من الأنبياء، أو لخليفة من الخلفاء، أو لولي من الأولياء، أو لعالم من العلماء فكل ذلك شرك بالله -عز وجل- ومخرج عن الملة".[3]

هناك خلاف بين اللغويين والمفسرين في معنى النسك، فمنهم من قال أنها تعني الدين ومن قال تعني العبادة ومن قال تعني الذبح إلا أن معظمهم على أنها تعني الذبح. فوفقًا لهذه الآية الكريمة والعديد من الحجج الأخرى ، يجب على الإنسان أن يؤدي جميع عبادته  لوجه الله تعالى فقط. وقد أكد جميع المسلمين على هاته المسألة ولا شك فيها أحد. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو يمكن حسب ادعاء الوهابيين أن يجعل الذبح لاولياء الله تعالى من أمثلة الذبح لغير الله و من مصاديق الشرك بالله تمسكا بقوله تعالى: " قُل إِنَّ صَلاتِي وَ نُسُكِي‏ وَ مَحْيايَ وَ مَماتِي لله رب العالمین". سيتم الرد على هذا السؤال المهم أدناه.

للإجابة على هذا السؤال لا بد من التنويه إلى أن العديد من المفسرين للقرآن الكريم مثل الطبري ، أكد أن الله عز وجل أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في هذه الآية أن ينقل إلى المشركين رسالة مفادها أن كل الأعمال يتوجب أن تكون لله عز وجل ، لأن الله تعالى لا شريك له ولا ند ، يقول: " قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَ نُسُكِي‏ وَ مَحْيايَ وَ مَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَ بِذلِكَ أُمِرْتُ وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ‏ يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى اللّه عليه وآله قل يا محمد لهؤلاء العادلين بربهم الأوثان و الأصنام الذين يسألونك أن تتبع أهواءهم على الباطل من عبادة الآلهة و الأوثان ان صلاتى و نسكى يقول و ذبحى‏ و محياى يقول و حياتى و مماتى يقول و وفاتي للّه رب العالمين يعنى أن ذلك كله له خالصا دون ما أشركتم به أيها المشركون من الأوثان لا شريك له فى شى‏ء من ذلك من خلقه و لا لشئ منهم فيه نصيب".[4]

وفقًا لهذا الرأي ، فإن الخطاب في الآية للمشركين الذين يؤدون عبادات الأصنام ويقتربون من الأصنام ، وليس المسلمين الذين سببهم الوحيد في التضحية للأولياء هو أن يصل أجره إلى هؤلاء النبلاء. وبعبارة أخرى ، كانت هناك نقطتان بارزتان في الذبح للأصنام:

1.تسمية غير الله حين الذبح

2.صد الاقتراب من الأصنام بذلك

ولكن مع التأكيد في الروايات الإسلامية وفتاوى علماء المذاهب ، نرى أن المسلمين لا يذكرون إلا اسم الله عند الذبح. كما أن نية المسلمين في ذبح للأولياء هي ببساطة مكافأة هؤلاء النبلاء ولا شيء غير ذلك. آية الله سبحاني (حفظه الله ورعاه) ، أحد علماء الإمامية المشهورين في عصرنا الراهن: " ومن اطّلع على أحوال الزائرين للعتبات المقدسة و مراقد أولياء اللّه الصالحين يعلم جيداً أنّهم ينذرون لله تعالى و لرضاه، و يذبحون الذبائح باسمه عزّ و جلّ، بهدف انتفاع صاحب القبر بثوابها، و انتفاع الفقراء بلحومها".[5]

لذلك ، فإن هاتين النقطتين البارزتين في المذبحة التي قام بها المشركون لا تظهران بأي حال من الأحوال في التضحية التي يقدمها المسلمون من أجل الصالحين. وبهذا يتضح أنه لا يوجد شبه بين الذبح الذي قام به المشركون لآلهتهم وبين الذبح الذي يقوم به المسلمون نيابة عن الأولياء عليهم السلام.

المصادر: 

[1] . الأنعام، 162.

[2] . مجموع الفتاوی لابن باز، ج3، ص322.

[3] . بن العثیمین، فتاوي اركان الاسلام، ص147، الرياض، دارالثریا، الطبعة الاولى، 1424ه.

[4] . جامع البيان فى تفسير القرآن، محمد بن جرير الطبري، ج8، ص82، بیروت، دار المعرفة، الطبعة الاولى، 1412ه.

[5] . بحوث في الملل و النحل، جعفر سبحاني، ج4، ص463، قم، موسسه الامام الصادق (علیه‌السلام).