یذکر في المقال التالي لمة من الأكاذيب المفتعلة و المضحكة جدا لابن تيمية الحراني ممّا نسبها إلى الشيعة الكرام، نذكرها من دون أيّ تعليق، لأنّ بطلانها من الوضوح أغنانا عن إفاضة الكلام في نقدها.
إنّ الكذب و الافتراء من الكبائر الموبقة التي نهى عنها الكتاب و السنّة، و الموضوع من الوضوح بمكان غنيّ عن الاستشهاد عليه ب آية أو رواية. و قد بلغ قبح الكذب إلى حدّ لا يجتمع مع الإيمان.
و قد سار العقل جنباً إلى جنب الشرع في التأكيد على ذم الظاهرة المذكورة و التنديد بها، و تقبيح فاعلها على نحو لا يختلف فيه اثنان.
و أوّل من افتُري عليه، هو رسول اللّٰه (صلَّى اللّٰه عليه و آله و سلَّم) حتّى بلغ به الحال أن أرتقي المنبر و خاطب جموع المسلمين بقوله: «من كذّب عليَّ متعمّداً فليتبوّأ مقعده من النار».[1]
و لم يقتصر هذا الافتراء على رسول اللّٰه صلَّى اللّٰه عليه و آله و سلَّم، بل تعدّاه إلى أهل بيته الطيّبين الطاهرين عليهم السَّلام.
ثمّ إنّ خصوم أئمّة أهل البيت و مناوئيهم لم يقتصروا في الكذب على آل الرسول، بل عمّ أيضاً شيعتهم، فافتروا عليهم - و كأنّهم - يتقرّبون بذلك إلى اللّٰه سبحانه. و لأجل إيقاف القارئ على نماذج ممّا افترى ابن تيمية على الشيعة.
نعم، نذكر هنا لمة من الأكاذيب المفتعلة و المضحكة جدا لابن تيمية الحراني ممّا نسبها إلى الشيعة الكرام، نذكرها من دون أيّ تعليق، لأنّ بطلانها من الوضوح أغنانا عن إفاضة الكلام في نقدها.
1. يقول: من حماقات الشيعة انّهم يكرهون التكلم بلفظ العشرة أو فعل شيء يكون عشرة، حتّى في البناء لا يبنون على عشرة أعمدة و لا بعشرة جذوع و نحو ذلك لبغضهم العشرة المبشرة إلا عليّ بن أبي طالب، و من العجب انّهم يوالون لفظ التسعة و هم يبغضون التسعة من العشرة. [2]
2. يقول: من حماقاتهم اتّخاذهم نعجة و قد تكون نعجة حمراء لكون عائشة تسمّى حميراء، و يجعلونها عائشة، و يعذبونها بنتف شعرها و غير ذلك، و يرون أنّ ذلك عقوبة لعائشة.[3]
3. و اتّخاذهم حيساً مملوء سمناً ثمّ يشقون بطنه فيخرجون السمن فيشربونه، و يقولون هذا مثل ضرب عمر و شرب دمه.[4]
4. قال: و تارة يكتبون أسماءهم على أسفل أرجلهم، حتّى أنّ بعض الولاة جعل يضرب رِجْلَ من فعل ذلك، و يقول: إنّما ضربت أبا بكر و عمر، و لا أزال أضربهما حتّى أعدمهما.
5. و منهم من يسمّي كلابه باسم أبي بكر و عمر و يلعنهما. إلى غير ذلك من الخزايات و الحماقات التي نسبها إلى الشيعة و هم براء منه براءة يوسف عمّا اتّهم.
و أنت لا تجد على أديم الأرض إنساناً عاقلاً يحمل روح التشيع و يقوم بواحد من هذه الأعمال أو يعتقد به.
كان على ابن تيمية الذي نسب نفسه شيخاً للإسلام أن يذكر مصدر هذه الأقاويل و الخزايا و لا يفرق صفوف المسلمين بتلك الكلمات، و لكنّه يا للعجب أخذها حقائق راهنة و نشرها بين الأُمّة!
و ليست هذه الافتراءات و الأكاذيب بعيداً عمن يعرّفه الحافظ ابن حجر في كتابه «الفتاوى الحديثة» قال: «ابن تيمية عبد خذله اللّٰه و أضلّه و أعماه و أصمّه و أذلّه، و بذلك صرّح الأئمّة الذين بيّنوا فساد أحواله و كذب أقواله، و من أراد ذلك فعليه بمطالعة كلام الإمام المجتهد المتَّفق على إمامته و جلالته و بلوغه مرتبة الاجتهاد أبي الحسن السبكي و ولده التاج و الشيخ الإمام العزّ بن جماعة، و أهل عصرهم و غيرهم من الشّافعيّة و المالكيّة و الحنفيّة، و لم يقصر اعتراضه على متأخّري الصوفيّة، بل اعترض على مثل عمر بن الخطّاب و عليّ بن أبي طالب عليه السَّلام.
و الحاصل: أن لا يُقام لكلامه وزنٌ بل يُرمىٰ في كلِّ وعرٍ و حزن، و يُعتقد فيه أنّه مبتدعٌ ضالٌّ مضلٌّ غالٍ، عامله اللّٰه بعدله، و أجارنا من مثل طريقته و عقيدته و فعله، آمين. إلى أن قال: إنّه قائلٌ بالجهة، و له في إثباتها جزءٌ، و يلزم أهل هذا المذهب، الجسميّةُ و المحاذاةُ و الاستقرارُ، أي فلعلّه في بعض الأحيان كان يصرِّح بتلك اللوازم فنُسبت إليه، سيّما و ممّن نسب إليه ذلك من أئمّة الإسلام المتَّفق على جلالته و إمامته و ديانته، و إنّه الثقة العدل المرتضى المحقِّق المدقِّق، فلا يقول شيئاً إلاّ عن تثبّت و تحقّق و مزيد احتياطٍ و تحرٍّ، سيّما إن نسب إلى مسلم ما يقتضي كفره و ردّته و ضلاله و إهدار دمه.[5][6]
المصادر:
[1] . نهج البلاغة، الخطبة 210، و غيره من المصادر المتوفرة.
[2] . لاحظ منهاج السنة: 11/1 و 24-30 و الجزء: 145/2.
[3] . المصدر.
[4] . لاحظ منهاج السنة: 11/1 و 24-30 و الجزء: 145/2.
[5] . الفتاوي الحديثة، ص 86.
[6] . ظاهرة الإفتراء علی الشیعة عبر التاریخ، جعفر السبحاني، ص14.