-يستمر الوهابية ومن يدور في فلكهم كالعادة بحملة الكذب والتدليس والبتر والمراوغة على المذهب الشيعي وسبيلهم في ذلك أدوات ووسائل شتى، فأساليبهم الملتوية والغير علمية لاتتوقف، فمرة عن طريق البتر ومرة عن طريق الكذب ومرة عن طريق الاستشهاد بالروايات الضعيفة الشاذة ومرة عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي والانترنت واليوتيوب والشاشات وغيرها.
لقد تمادوا كثيرا في الكذب على مذهب أهل البيت والإفتراء عليه، ومن الشبهات التي ينغمسون فيها عن سبق كيدٍ وتحريف وطعنٍ بمذهب الشيعة هي شبهة زواج المتعة فنقول:
زواج المتعة هو زواج مؤقت يتم عبر عقدٍ بين الزوجين على مهر معلوم وبأجل معلوم، فإذا انتهى الأجل انتهى الزواج دون الحاجة إلى طلاق ، وليس بين الزوجين توارث فلا يرث أحدهما الآخر إن مات أحدهما في مدة العقد ، وعلى الزوجة أن تعتد بحيضة واحدة أو بخمس وأربعين يوماً إذا كانت ممن لا تحيض، وله شروطه المعروفة.
وقد وجد فيه الوهابية ومن شاكلهم ضالتهم للكذب على عامة المسلمين والقول بحرمته وعدم إباحته للتنفير من المذهب الشيعي الذي يقول به.
وقد استدل الشيعة بأدلة من الكتاب والسنة الشريفة على إباحته, وأن هذا الزواج كان مباحاً على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعهد أبي بكر وشطراً من عهد عمر … الى أن حرّمه عمر بن الخطّاب, وعمر هو من رواة حديث جواز المتعة حيث يقول : <<متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا احرّمهما... >>[1]. وأمام هذه الحقيقة الواضحة يأتي بعض المغرضين وعلى رأسهم الوهابية فيزعموا أن الرسول صلى الله عليه وآله هو الذي حرمه ومنعه متجاهلين أن عمر هو الذي حرمه وليس النبي الأكرم صلى الله علیه و آله. إضافة إلى قولهم هذا فإن القوم استدلوا أيضا على عدم إباحته بأدلة من كتب الشيعة تدور حول منع وتحريم زواج المتعة.
_أما الدليل القرآني الذي استدل به الشيعة على جواز المتعة وإباحتها قوله تعالى:{فما استمتعتم به منهنّ فآتوهنّ أجورهنّ فريضة…}، [2]. وقد نقل و رُوِي عن جماعة من كبار الصحابة والتابعين المرجوع إليهم في قراءة القرآن الكريم وأحكامه التصريح بنزول هذه الآية المباركة في المتعة، منهم: عبد الله بن عباس، وأبي بن كعب، وعبد الله بن مسعود، وجابر بن عبد الله، وأبو سعيد الخدري، وسعيد بن جبير، ومجاهد، والسدي، وقتادة. [3].
_وأما ما دلّ على مشروعيتها من السنّة الشريفة:
أخرج البخاري، ومسلم، وأحمد، وغيرهم، عن عبد االله بن مسعود قال: ((كنّا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلّم ليس لنا نساء، فقلنا: ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك، ثمّ رخّص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل ثمّ قرأ عبد الله (( يا أيها الذين آمنوا لا تحرّموا طيبات ما أحلّ الله لكم ولا تعتدوا إنّ الله لايحب المعتدين )). [4].
أضف إلى ذلك (الاجماع) المنقول:
نصّ على ذلك القرطبي، قال: "لم يختلف العلماء من السلف والخلف أنّ المتعة نكاح إلى أجل ، لا ميراث فيه، والفرقة تقع عند انقضاء الأجل من غير طلاق" ثم نقل عن ابن عطية كيفية هذا النكاح وأحكام. [5].
وكذا الطبري حيث ينقل عن السدّي في تفسيره في تفسير الآية: "هذه هي المتعة، الرجل ينكح المرأة بشرطف إلى أجل مسمّى"
وعن ابن عبد البرّ في (التمهيد) :" أجمعوا على أنّ المتعة نكاح لا إشهاد فيه وأنّه نكاح إلى أجل يقع فيه الفرقة بلا طلاق ولا ميراث بينهما" .
فثبت من خلال هذا الاستعراض المختصر جواز ومشروعية زواج المتعة في الاسلام، ومات النبي (صلى الله عليه وآله) وهي بعد مشرعة غير محرمة ،حتى حرّمها عمر في أيام خلافته.والمصادر من كتب السنة عديدة في هذا الموضوع لا تتسع الصفحة لذكرها.
_وأما ما نُسِب من الروايات عن اهل البيت سلام الله عليهم في النهي عن المتعة ويستدل الوهابية بها على الشيعة في حرمتها وعدم جوازها فهو مردود للبيان التالي فنقول:
*الرواية الأولى: عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : ( حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم نكاح المتعة ولحوم الحُمُر الأهلية يوم خيبر ). [6].
وعند مراجعة سند هذه الرواية نجد فيه: الحسين بن علوان: لم ينص على توثيقه، بعكس أخيه، ونسبه البعض الى العامة أو الزيدية، وهو الى الزيدية أقرب بدلالة من يروي عنهم (أنظر: رجال الشيخ، الكشي، الخلاصة، رجال النجاشي، الوجيزة، منتهى المقال، نقد الرجال، وغيرها). عمرو بن خالد: نسب الى العامية، وذكروا أنه بتري زيدي بل من رؤسائهم، وهو الأقرب (أنظر: الكشي، رجال الشيخ، النجاشي، الخلاصة، منتهى المقال، وغيرها). وعلق علي هذا الحديث الحر العاملي في (الوسائل): حمله الشيخ وغيره على التقية ـ يعني في الرواية ـ لأن اباحة المتعة من ضروريات مذهب الإمامية. فهذه الرواية لا تنهض حجة على تحريم المتعة وذلك: لما مر آنفاً ما في سندها من وهن، مع معارضتها لظاهر القرآن والروايات الصحيحة الكثيرة في حلية المتعة، وبعدها فهي محمولة على التقية.
*الرواية الثانية: سئل جعفر بن محمد ( الإمام الصادق ) عن المتعة فقال : ( ما تفعله عندنا إلا الفواجر ). [7].
أما هذه الرواية فقد جعفر مرتضى إنها لا تدل على التحريم بل تدل على انحراف الناس عن ممارسة هذا الأمر وإن جماعة خاصة هي التي تستعمله ولعل ذلك يعود لأسباب غير سليمة ولا شريفة ومن المعلوم ان سوء الاستفادة من التشريع لا تعني لزوم رفع اليد عنه, وإلا لزم رفع اليد عن وجوب الصلاة فضلاً عما سواها حين يساء الاستفادة منها وتستخدم وسيله لخداع الناس.
*الرواية الثالثة: علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن(عليه السلام) (موسى الكاظم) عن المتعة فقال : وما أنت وذاك فقد أغناك الله عنها. [8].
وهذه الرواية أيضا قال عنها السيد جعفر مرتضى في كتابه (زواج المتعة ج2 ص138) اما بالنسبة لرواية ابن يقطين فهي ايضاً لا تدل على التحريم بل تدل على ان عليه ان لا يمارسها مادام انه ليس بحاجة إليها ولو أنه كان بحاجة إليها لأمكنه ممارستها لأنها حلال لاسيما وان ابن يقطين كان وزيراً للرشيد وكان يحتاج إلى المداراة في بعض الأمور التي قد تسبب له مشكلة مع الرشيد في موقعه الذي هو فيه. وغيرها من الروايات نعرض عنها رَوماً للإقتصار.
فنخلص إلى أن ما يستند إليه الوهابية وبعض أهل السنة من تحريم المتعة لا وجه له ولايُعتد به. وإن بيتهم الذي شيدوه على الأباطيل والتلفيقات ضد الشيعة لأوهن من بيت العنكبوت، ولا ينطلي عل كل ذو عقل سليم.
______________________
المصادر:
[1]. ١ - سنن البيهقي: ٧ / ٢٠٦ باب نكاح المتعة وكنز العمال: ١٦ / ٥١٩ برقم ٤٥٧١٥، ٤٥٧٢٢ والمغني لابن قدامة: ٧ / ٥٧٢، والغدير: ٦ / ٢١١
[2]. النساء الآية ٢٤
[3]. أنظر تفسير الطبري، والقرطبي، وابن كثير، والكشّاف، والدرّ المنثور في تفسير الآية، وأحكام القرآن للجصّاص ١٤٧/٢ وسنن البيهقي ٢٠٥/٧ وشرح مسلم للنووي ١٢٧/٦ والمغني لابن قدامة ٥٧١/٧.
[4]. ). ). (صحيح البخاري في كتاب النكاح، وفي تفسير سورة المائدة، وصحيح مسلم كتاب النكاح، ومسند أحمد ٤٢٠/١.
[5]. تفسير القرطبي ١٣٢/٥
[6]. الأستبصار للطوسي ج ٢ ص ١٤٢ وكتاب وسائل الشيعة للعاملي ج ٢١ ص ١٢
[7]. ( بحار الأنوار للمجلسي – الشيعي – ج ١٠٠ ص٣١٨
[8]. خلاصة الإيجاز في المتعة للمفيد ص 57 والوسائل ١٤/٤٤٩ ونوادر أحمد ص ٨٧ ح ١٩٩ الكافي ج٥ ص ٤٥٢