من فوائد الصوم

إنّ الصوم وسيلة إلى الله تعالى وزلفى لديه وفيه الإخلاص، إذ ليس هناك ما يردع النفس عن تناول ما تشتهيه في الخلاء حيث لا يشاهده ديار ولا يخبر به الآخرون وإلى هذا تشير فاطمة الزهراء (عليها السلام) في الخطبة الفدكية: «ففرض الله عليكم ... الصيامَ إثباتا للإخلاص»[1].
الحافز الوحيد للالتزام بواجبات الصوم والابتعاد عن المفطرات طوال اليوم هو الشعور بمراقبة الله تعالى ومحاسبته له و العلم بأنه يرى. فمن خلال الصوم ينأى الإنسان عن الخسة و الرذيلة ويصل إلى غايته القصوى وهي رضا الله تعالى، وكما في رواية الصادق (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه و أله و سلم) قال: «قَالَ تَعَالَى الصَّوْمُ لِي وَ أَنَا أَجْزِي بِهِ وَ الصَّوْمُ يُمِيتُ مُرَادَ النَّفْسِ وَ شَهْوَةَ الطَّبْعِ وَ فِيهِ صَفَاءُ الْقَلْبِ وَ طَهَارَةُ الْجَوَارِحِ وَ عِمَارَةُ الظَّاهِرِ وَ الْبَاطِنِ وَ الشُّكْرُ عَلَى النِّعَمِ وَ الْإِحْسَانُ إِلَى الْفُقَرَاءِ وَ زِيَادَةُ التَّضَرُّعِ وَ الْخُشُوعِ وَ الْبُكَاءِ وَ حَبْلُ الِالْتِجَاءِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَ سَبَبُ انْكِسَارِ الْهِمَّةِ وَ تَخْفِيفِ السَّيِّئَاتِ وَ تَضْعِيفِ الْحَسَنَاتِ وَ فِيهِ مِنَ الْفَوَائِدِ مَا لَا يُحْصَى وَ كَفَى بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْهُ لِمَنْ عَقَلَهُ وَ وُفِّقَ لِاسْتِعْمَالِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى‏»[2].
الصيام تطهير للروح وصقل له، لأنّه جهاد مع النفس ورياضة تتقوّى بها النفس على تحمّل المكاره والصبر عند الشدائد. وإلّا فما معنى لامتناع الإنسان عن الأكل والشرب وهو يشتهيه ويرتدع عن الملامسة ونفسه تتوق إليها؟ وبالتأكيد فإنّ الصائم إذا تحمّل ألم الجوع و وجع العطش فإنّ روحه تطهر ونفسه تسمو ويدنو بكلّه من الفقراء فيحسّ بألمهم ويدرك ما يدركون، فيرقّ لهم ويعطف عليهم فعن حمزة بن محمد قال: «كتبت إلى أبي محمّد (عليه السلام) لِمَ فرض الله الصوم، فورد الجواب: ليجد الغني مضض الجوع فيحنّ على الفقير»[3].
وكتب أبو الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) إلى محمّد بن سنان فيما كتب من جواب مسائله فقال: «علّة الصوم لعرفان مسّ الجوع والعطش، ليكون ذليلا مستكيناً مأجوراً محتسباً صابراً، ويكون ذلك دليلا له على شدائد الآخرة، مع ما فيه من الانكسار له عن الشهوات، واعظاً له في العاجل، دليلا على الآجل ليعلم شدّة مبلغ ذلك من أهل الفقر والمسكنة في الدنيا والآخرة»[4].

المصادر:
[1]. «الإحتجاج إلى أهل اللجاج»، الطبرسي، أحمد بن علي، مشهد المقدسة، نشر مرتضى، الطبعة الاولى، 1403ق، ج1، ص98.
[2]. «مصباح الشريعة»، للإمام الصادق عليه السلام، بيروت، أعلمي، الطبعة الاولى، 1400ق، ص 136.
[3]. «الكافي»، الکلینی، محمد بن يعقوب، طهران، دار الكتب الاسلامية، الطبعة الرابعة، 1407ق، ج 4، ص 181.
[4]. «من لا يحضره الفقيه»، ابن بابویه، محمد بن علي، قم، دفتر انتشارات اسلامي التابع لرابطة المدرسين بالحوزة العلمية، الطبعة الثانية، 1413ق، ج 2، ص 73.