الذين يقولون بعدالة جميع من كان مع النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) فستواجهون تحديات كبيرة فإن التاريخ المعتمد عندهم يشهد أن الصحابة حدث بينهم معارك شديدة فاقتتلوا و قاتلوا و قتلوا فكيف يمكن الجمع بينهم يا ترى؟!
يواجه المعتقدون و أنصار فكرة قداسة جميع الصحابة تحديات كثيرة بسبب هذا المعتقد، و من جملتها المشاكل التاريخية العظيمة، لأننا لا يسعنا أن نعد جميع الصحابة الذين حدثت بينهم معارك شديدة- كما نراه في تضاعيف الكتب التاريخية المعروفة و المعتمدة عندهم و حتى أحاديث كتب الصحاح- عدولًا و صالحين و مقدّسين؛ لأنّه يكون من قبيل الجمع بين الأضداد، و استحالته من البديهيات العقلية.
و إذا تجاوزنا حربي «الجمل» و «صفين» الذين خطط لهما كل من طلحة و الزبير و معاوية في مقابل إمام المسلمين علي (عليه السلام)، و لم نغض النظر عن الحقائق التي لا محيص من الاعتراف بخطإ و جناية مشعلي هذه الحروب، فهناك شواهد كثيرة لدينا في التاريخ نقتصر على ذكر ثلاثة منها:
1. يذكر البخاري المحدث المعروف في صحيحه في كتاب التفسير: «قام رسول الله صلى الله عليه و سلم من يومه فاستعذر من عبد الله بن أبي و هو على المنبر فقال: يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل [يقصد عبد الله بن سلّول أحد قادة المنافقين] قد بلغني عنه أذاه في أهلي و الله ما علمت عن أهلي إلّا خيراً ... فقام سعد بن معاذ [صحابي معروف] أخو بني عبد الأشهل فقال: أنا يا رسول الله أعذرك، فإن كان من الأوس ضربت عنقه و إن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك ... سعد بن عبادة و هو سيد الخزرج، قالت: [أي عائشة] و كان قبل ذلك رجلًا صالحاً و لكن احتملته الحمية، فقال لسعد: كذبت لعمر الله لا تقتله و لا تقدر على قتله، و لو كان من رهطك ما أحببت أن يقتل، فقام أسيد بن حضير و هو ابن عم سعد فقال لسعد بن عبادة: كذبت لعمر الله لنقتلنه، فإنّك منافق تجادل عن المنافقين، قالت: فثار الحيان الأوس و الخزرج حتى هموا أن يقتتلوا و رسول الله صلى الله عليه و سلم قائم على المنبر، قالت: فلم يزل رسول الله صلى الله عليه و سلم يخفضهم حتى سكتوا»[1]، فهل كان كل هؤلاء الصحابة صالحين؟
2. يقول العالم المعروف البلاذري في «الأنساب»: «قام عثمان بعزل سعد بن أبي وقاص والي الكوفة و نصب مكانه الوليد بن عقبة، و طلب الوليد من عبد الله بن مسعود مفاتيح بيت المال، فألقى ابن مسعود المفاتيح إليه و قال له: من غيّرَ غيّرَ الله ما به، و مَن بدّلَ أسخط الله عليه، و ما أرى صاحبكم إلّا و قد غيّر و بدّل، أ يُعزَلُ مثل سعد بن أبي وقاص و يولى الوليد، .. فكتب الوليد إلى عثمان بذلك و قال: إنّه يعيبك و يطعن عليك، فكتب إليه عثمان يأمره بإشخاصه ... و قدِم ابن مسعود المدينة و عثمان يخطب على منبر رسول الله (صلى الله عليه و آله) فلمّا رآه قال: ألّا أنّه قَدِمت عليكم دُوَيْبة سوء، من تمشِ على طعامه يقي و يسْلَحْ، فقال ابن مسعود: لستُ كذلك، و لكني صاحب رسول الله (صلى الله عليه و آله) يوم بدر و يوم بيعة الرضوان، و نادت عائشة: أي عثمان أ تقول هذا لصاحب رسول (صلى الله عليه و آله)؟، ثمّ أمر عثمان به فأخرج من المسجد إخراجاً عنيفاً ... و يقال: احتمله يحموم غلام عثمان و رجلاه تختلفان على عنقه حتى ضرب به الأرض فدُقَّ ضلعه»[2].
3. ينقل البلاذري في نفس كتاب «أنساب الأشراف»: «كان في بيت المال بالمدينة سَفَط فيه حلي و جوهر فأخذ منه عثمان ما حلّى به بعض أهله، فأظهر الناس الطعن عليه في ذلك، و كلَّموه فيه بكلام شديد حتى أغضبوه، فخطب فقال: لنأخذنّ حاجتنا من هذا الفيء، و إن رَغِمَت انوف أقوام.
فقال له علي (عليه السلام): إذاً تُمنع من ذلك و يحال بينك و بينه.
و قال عمّار بن ياسر: اشهد الله أنّ أنفي أول راغم من ذلك.
فقال عثمان: أ عليّ يا ابن المتكإ تجترئ؟ خُذوه! فأُخذ و دخل عثمان فدعا به فضربه حتى غشي عليه، ثمّ اخرج فحُمل حتى اتي به منزل أم سَلَمة زوج رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فلم يصلّ الظهر و العصر و المغرب، فلما أفاق توضأ و صلّى و قال: الحمد لله ليس هذا أول يوم أوذينا فيه في الله»[3]، يشير بذلك إلى ما تعرض له من المشركين في بداية الدعوة.
و نحن لا نرغب بنقل مثل هذه الحوادث المؤلمة في التاريخ الإسلامي، و يمكن أن يكون ذكر هذا القدر من الأحداث ليس مناسباً لو لا إصرار البعض على تقديس جميع الصحابة و جميع أعمالهم.
و الآن هل يمكن توجيه تلك الشتائم و الأذى و الألم الجسدي الذي تعرض له ثلاثة أشخاص من خيرة الصحابة و أطهرهم و هم: (سعد بن معاذ و عبد الله بن مسعود و عمّار بن ياسر)؟ حيث ضُرب أحدهم حتى تهشّمت أضلاعه، و ضُرب الآخر حتى غاب عنه الوعي و فاتتهُ صلاته.
أ فهل هذه الشواهد التاريخية- و هي ليست قليلة- تسمح لنا أن نغلق أعيننا أمام هذه الحقائق؟ و نقول: إنّ جميع الصحابة صالحون و أعمالهم كلها صحيحة، و نؤسس جيشاً باسم «جيش الصحابة» و ندافع عن جميع أعمالهم بدون قيد أو شرط؟
أ فهل هناك عاقل يقبل بهذه الأفكار؟
و هنا نكرر هذا القول لمرات عديدة و هو: إنّ هناك شخصيات عديدة بين صحابة الرسول (صلى الله عليه و آله) تتصف بالإيمان و الصلاح و الزهد، و لكن هناك أيضاً شخصيات لا بدّ أن تخضع أعمالهم للنقد و التحقيق، و تقوّم بميزان العقل، و يكون الحكم على ضوء ذلك.[4]
المصادر:
[1] . صحيح البخاري، ج 5، ص 57 و 58.
[2] . انظر أنساب الأشراف، ج 6، ص 147؛ و تاريخ ابن كثير، ج 7، ص 136 و 183، حوادث سنة 32، (مع اختصار).
[3] . أنساب الأشراف، ج 6، ص 161 و 162.
[4] . الشيعة شبهات و ردود، مكارم الشيرازي، ج1، ص56.