من اللائق أن يراعي الزائر في مسيرة الأربعين حيث يصحب الملايين من الزوار، ملاحظات كسعة الصدر، الإجتناب من إزعاج الآخرين، عدم الإسراف، كثرة التأمل وقلة الكلام، مراعاة النظافة، التضحية والشكر والتقدير من خدام زوار أباعبدالله الحسين (عليه السلام).
الحضور في المراسيم المعنوية والجميلة أي مراسيم مسيرة الأربعين، التي تنبثق فيه الشعائر الإلهية والعظمة السياسية والإجتماعية الشيعية، توفيق إلهي يناله الإنسان مرة واحدة في السنة فقط. ومع لحاظ أن هذا السفر يكون بصورة جماعية فيصحب الإنسان الملايين من الزوار، يلزم مراعاة ملاحظات أخلاقية لكي ننال الحصة المعنوية إلى جانب التمتع بسفر ممتع لنا وللآخرين:
أ. سعة الصدر
من الطبيعي أن الحضور في سفر يشارك فيه الملايين من الزوار يكون صعبا إلى حد ما؛ لذا يتوجب علينا الإستعداد لمواجهة هذه المشاكل والصعوبات. فلنجعل سعة الصدر والصبر قرين سفرنا؛ ولنتجنب التَبرُّم وعدم الرحب والتضايق والشكوى من الآخرين.
لكي نحصل على قدرة الصبر، يجب أن نتمرن الصبر فإن أميرالمؤمنين (عليه السلام) يقول:
إِنْ لَمْ تَكُنْ حَلِيماً فَتَحَلَّمْ فَإِنَّهُ قَلَّ مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ إِلَّا أَوْشَكَ أَنْ يَكُونَ مِنْهُم [1]
ب. الإجتناب من إيذاء الناس
إن الزائر في مسيرة الأربعين، مع وجود إزدحام الناس، يواجه محدودية في أماكن الإستراحة وعدم تعيين وقت محدد ومعين للنوم واليقظة. لذا عليه أن ينتبه عند دخوله الأماكن المعينة للإستراحة، أن لايتسبب بإزعاج الزوار الذين يستريحون من عناء السفر بضجيجه أو بتكلمه بصوت عال و... . وأن لايصحب هذا السفر المعنوي بالمعاصي؛ فإن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول:
مَنْ آذَى مُؤْمِناً فَقَدْ آذَانِي وَ مَنْ آذَانِي فَقَدْ آذَى اللَّهَ عَزَّ وَ جَل... [2]
ج. عدم الإسراف و الإكثار في الأكل والشرب
مع أن العراقيين الكرام في هذا السفر المعنوي، بكل طيب خاطر ومن صميم قلوبهم ومن دون أية منة بكل إفتخار يخدمون الزوار، ويقومون بهبة وبذل أنواع وأقسام المأكولات بكل إصرار وإلتماس، إلا أنه يتوجب علينا أن نأخذ من المأكولات بقدر الحاجة لكي نتجنب الإسراف وكثرة الأكل. خاصة أن نأخذ بعين الإعتبار أننا في سفر معنوي وكثرة الأكل تميت القلب. يقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم):
لَا تُمِيتُوا الْقُلُوبَ بِكَثْرَةِ الطَّعَامِ وَ الشَّرَابِ فَإِنَّ الْقُلُوبَ تَمُوتُ كَالزُّرُوعِ إِذَا كَثُرَ عَلَيْهَا الْمَاء [3]
د. إجتناب كثرة الكلام
الإجتناب من كثرة الكلام، المبالغة في الكلام والهراء، من الأمور التي ينبغي للإنسان مراعاتها في كل مكان وخاصة في هذا السفر المعنوي؛ حتى لاتنتهي بجرح أحاسيس أحد من الناس أو بالجدال أو بالغيبة أو بسوء الفهم أو كشف معايب الناس. فإن أميرالمؤمنين علي (عليه السلام) يقول:
مَنْ كَثُرَ كَلَامُهُ كَثُرَ خَطَؤُهُ وَ مَنْ كَثُرَ خَطَؤُهُ قَلَّ حَيَاؤُهُ وَ مَنْ قَلَّ حَيَاؤُهُ قَلَّ وَرَعُهُ وَ مَنْ قَلَّ وَرَعُهُ مَاتَ قَلْبُهُ وَ مَنْ مَاتَ قَلْبُهُ دَخَلَ النَّار [4]
أن يكون الإنسان منشغلا بنفسه وأن يداوم على ذكر الصلوات وأن يفكر ويتأمل في حادثة عاشوراء، أبدال جيدة لكثرة الكلام في هذا السفر.
ه. التضحية
حادثة عاشوراء معجونة بالتضحيات وبذل النفوس؛ وقدم شهداء كربلاء أكبر رأس مالهم الوجودي أي نفوسهم في سبيل الله وبقاء المكتب الإسلامي؛ فأصبحوا بذلك من مصاديق هذه الآية الكريمة:
وَ يُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ... [5]
لذا من اللطيف أن يتأسى الزائر الحسيني في هذا السفر بسيدالشهداء (عليه السلام)، فيُظهر هذه الصفة الأخلاقية من نفسه ويقدم الآخرين على نفسه وخاصة الشيوخ، الكبار، النساء والأطفال في صفوف توزيع الطعام وركب السيارات وأيضا في الأماكن العبادية والزيارة وصفوف الجماعة وماشابه ذلك.
و. مراعاة النظافة
كثرة الزوار، كارثة الحروب في العراق، وضع البيئة غير المساعد وذلك لأسباب طبيعية، تسبب بعض المشاكل والنقص في الصحة العامة. إذا على كل زائر أن يحتفظ بنظافته الشخصية وأن يلتزم بعدم تلويث البيئة؛ كرميه الإقذار في طريق السفر؛ فإن الإمام الرضا (عليه السلام) يقول:
مِنْ أَخْلَاقِ الْأَنْبِيَاءِ التَّنَظُّفُ [6]
ز. تقديم الشكر للمُضيف
الوظيفة الأخلاقية توجب على الزوار برغم المشاكل الموجودة والنواقص المحتمله، أن يتقدموا بالشكر للخدام، المسئولين والمعنيين الذين عملوا على تجهيز الأرضية لمحبي سيدالشهداء (عليه السلام) حتى يتمكنوا من المشاركة في هذه المراسيم المعنوية والمؤتمر العالمي الكبير؛ أي مسيرة الأربعين.
الإمام السجاد (عليه السلام) يقول في هذا المجال:
یَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى لِعَبْدٍ مِنْ عَبِيدِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَ شَكَرْتَ فُلَاناً فَيَقُولُ بَلْ شَكَرْتُكَ يَا رَبِ فَيَقُولُ لَمْ تَشْكُرْنِي إِذْ لَمْ تَشْكُرْهُ ثُمَّ قَالَ أَشْكَرُكُمْ لِلَّهِ أَشْكَرُكُمْ لِلنَّاس [7]
المصادر
[1] نهج البلاغة (للصبحی صالح)، ص 506
[2] المجلسي، بحار الأنوار، ج64، ص72
[3] المجلسي، بحار الأنوار، ج63، ص 331
[4] نهج البلاغة (للصبحي صالح)، ص 536
[5] الحشر،9
[6] الكليني، الكافي، ج5، ص567
[7] الكليني، الكافي، ج2، ص99