مكانة الصحابة عند الشيعة

08:33 - 2021/02/06

إن الذكر الحكيم أثنى على صحابة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الذين لو لم تكن جهودهم المبذولة لما قام للدين عمود ولا اخضر له عود. ومن هذا المنطلق تكن الشيعة لهم كل الاحترام إلا شرذمة قليلة ارتد على عقبيه بعد رحيل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

الصحابة,صحابة النبي,الشيعة

الصحابة هم المسلمون الأوائل الذين رأوا النبيّ‌ الأكرم (صلى الله عليه و آله) وتشرّفوا بكرامة الصحبة، وتحمّلوا جانباً مهمّاً في عملية نشر الدعوة الإسلامية، وبذل جمع منهم النفس والنفيس في نشر الإسلام، حتّى امتدّ إلى أقاصي المعمورة فأقاموا أُسسه، وشادوا بنيانه، ورفعوا قواعده بجهادهم المتواصل، وبلغوا ذروة المجد باستسهال المصاعب، فلولا بريق سيوفهم، وقوّة سواعدهم، وخوضهم عباب المنايا، لما قام للدين عمود، ولا اخضرّ له عود.
ولمّا كان الكتاب والسنّة هما المصدرين الرئيسين عند المسلمين جميعاً، والشيعة منهم، وبهدي نورهما يسترشد في استشراف الحقائق الثابتة التي لا غبار عليها، فإنّ‌ التأمل في هذين المصدرين الغدقين يبيّن مدى فضل أُولئك ومنزلتهم في الإسلام.
ولعلّ‌ المتأمل في الكتاب والسنّة يجد مدى ما يحفى به الصحابة الصادقون من ثناء وتكريم، ومن تلا آيات الذكر الحكيم حول المهاجرين والذين اتّبعوهم بإحسان، لا يملك نفسه إلّا أن يغبط‍‌ منزلتهم وعلوّ شأنهم، بل ويتمنّى من صميم قلبه أن يكون أحدهم ويدرك شأنهم، ومن استمع للآيات النازلة في الذين بايعوا رسول اللّٰه (صلى الله عليه و آله) تحت الشجرة أو أصحاب سورة الفتح فلا بد أن تفيض عيناه دمعاً ويرتعش قلبه شوقاً نحو تلك الثلّة المؤمنة التي صدقت ما عاهدت اللّٰه عليه ورسوله (صلى الله عليه و آله).
فإذا كان هذا حال الصحابة في الذكر الحكيم فكيف يتجرّأ مسلم على تكفير الصحابة ورميهم بالردّة والزندقة أو تفسيقهم جميعاً؟ سُبْحٰانَكَ‌ هٰذٰا بُهْتٰانٌ‌ عَظِيمٌ‌ .
وكيف يستطيع أن يصوّر دعوة النبيّ‌ (صلى الله عليه و آله) ضئيلة الفائدة أو يتّهمه بعدم النجاح في هداية قومه وإرشاد أُمّته، وأنّه لم يؤمن به إلّا شرذمة قليلة لا يتجاوزون عدد الأصابع، وأنّ‌ ما سواهم كانوا بين منافق ستر كفره بالتظاهر بالإيمان، أو مرتدّ على عقبيه القهقرىٰ‌ بعد رحلة النبيّ‌ الأكرم (صلى الله عليه و آله).
كيف يجوز لمسلم أن يصف دعوته و يقول: إنّه لم يهتد ولم يثبت على الإسلام بعد مرور 23 عاماً من الدعوة إلّا ثلاثة أو سبعة أو عشرة. إنّ‌ هذا ليس إلّا هراء وكذب رخيص لا تقبله العقول.
والأنكى من ذلك كلّه أن يُرمى الشيعة بهذا التقوّل الممجوج، و أن تجد من يصدّق ذلك ويرتّب على أساسه مواقف وآراء، وإنّا نسأل أُولئك عن هذا فنقول لهم: أيّ‌ شيعي واع ادّعى ذلك‌؟ ومتى قال‌؟ وأين ذكره‌؟ إنّ‌ الشيعة بريئة من هذه التخرّصات، وما هذه الحكايات السقيمة إلّا جزءاً من الدعايات الفارغة ضدّ الشيعة والتي أثارها الأمويّون في أعصارهم، ليسقطوا الشيعة من عيون المسلمين، وتلقّفتها أقلام المستأجرين لتمزيق الوحدة الإسلامية، وفصم عرى الأُخوّة.
إنّا لو أحصينا المهتدين في عصر الرسول (صلى الله عليه و آله) من بني هاشم لتجاوز عددهم العشرات، بدءاً من عمّه أبي طالب ومروراً بصفيّة عمّته، وفاطمة بنت أسد، وبحمزة والعبّاس وجعفر وعقيل وطالب وعبيدة بن الحارث «شهيد بدر» وأبي سفيان بن الحارث ونوفل بن الحارث وجعدة بن أبي هبيرة وأولادهم وزوجاتهم، وانتهاءً بعليّ‌ (عليه السلام) وأولاده وبناته وزوجته فاطمة الزهراء سيّدة نساء العالمين.
أمّا الذين استشهدوا في عهد النبيّ‌ الأكرم (صلى الله عليه و آله) فهم يتجاوزون المئات، ولا يشكّ‌ أيّ‌ مسلم في أنّهم كانوا مثال المؤمنين الصادقين الذين حوّلهم الإسلام وأثّر فيهم، فضربوا في حياتهم أروع الأمثلة في الإيمان والتوحيد والتضحية بالغالي والنفيس، خدمة للمبدأ و العقيدة.
ولعلّ‌ الاستعراض المتعجّل لمجموع تلك الأسماء لا يملك إلّا أن يجزم بصحّة ما ذهبنا إليه من القول بمكانة أُولئك الصحابة ابتداءً بآل ياسر الذين كان رسول اللّٰه (صلى الله عليه و آله) يقول لهم وهو يسمع أنينهم تحت سياط‍‌ التعذيب: «صبراً آل ياسر إنّ‌ موعدكم الجنّة»، و مروراً بمن توفّي في مهجر الحبشة وشهداء بدر وأُحد، وقد استشهد في معركة أُحد سبعون صحابياً كان رسول اللّٰه (صلى الله عليه و آله) يزورهم ويسلّم عليهم، ثمّ‌ شهداء سائر المعارك والغزوات، حتّى قال النبيّ‌ الأكرم (صلى الله عليه و آله) في حقّ‌ سعد بن معاذ شهيد غزوة الخندق: «اهتزّ العرش لموته»، وشهداء بئر معونة والتي يتراوح عدد الشهداء فيها بين 40 حسب رواية أنس بن مالك و 70 حسب رواية غيره، إلى غير ذلك من الأصحاب الصادقين الأجلّاء المثنى عليهم في الذكر الحكيم.
أو ليست هذه الآيات تثبت نجاح النبيّ‌ (صلى الله عليه و آله) في دعوته، وأنّه اجتمع حوله رجال صالحون ومخلصون، فكيف يمكن رمي مسلم يتلو الذكر الحكيم ليل نهار باعتقاده بخيبة النبيّ‌ الأكرم (صلى الله عليه و آله) في دعوته وتهالكه في هداية أُمّته. إنّ‌ الموقف الصحيح من الصحابة هو ما جاء في كلام الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): «أين إخواني الذين ركبوا الطريق ومضوا على الحقّ‌؟ أين عمّار؟ وأين ابن التّيهان‌؟ وأين ذو الشهادتين‌؟ وأين نظراؤهم من إخوانهم الذين تعاقدوا على المنيّة وأُبرد برؤوسهم إلى الفجرة‌؟ أوّه على إخواني الذين تلوا القرآن فأحكموه وتدبّروا الفرض فأقاموه. أحيوا السنّة وأماتوا البدعة، دُعوا للجهاد فأجابوا، ووثقوا بالقائد فاتّبعوه» .[1]
هذه كلمة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) قائد الشيعة وإمامهم، أفهل يجوز لمن يؤمن بإمامته أن يكفّر جميع صحابة النبيّ‌ (صلى الله عليه و آله) أو يفسّقهم أو ينسبهم إلى الزندقة والإلحاد أو الارتداد، من دون أن يقسّمهم إلى أقسام، ويصنّفهم أصنافاً ويذكر تقاسيم القرآن والسنّة في حقّهم!! كلّا وألف كلّا.
فإذا كان الحال كذلك، واتّفق الشيعي والسنّي على إطراء الذكر الحكيم للصحابة والثناء عليهم، فما هو موضع الخلاف بين الطائفتين كي يعدّ ذلك من أعظم الخلاف بينهما؟ إنّ‌ موضع الخلاف ليس إلّا في نقطة واحدة سنشرحها في المقال التالي، إن شاء الله. [2]

المصادر:
[1] . نهج البلاغة، الخطبة 182.
[2] . أضواء على عقائد الشيعة الإمامية وتاريخهم، جعفر السبحاني، قم، مشعر، ص513.

Plain text

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a> <em> <strong> <span> <blockquote> <ul> <ol> <li> <dl> <dt> <dd> <br> <hr> <h1> <h2> <h3> <h4> <h5> <h6> <i> <b> <img> <del> <center> <p> <color> <dd> <style> <font> <u> <quote> <strike> <caption>
  • تتحول مسارات مواقع وب و عناوين البريد الإلكتروني إلى روابط آليا.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
5 + 4 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.