قد جاؤوا ظلما وزورا

08:48 - 2021/04/03

إن الوهابية في سلسلة تخاريفهم يدعون أن الشيعة يعدون الامام الكاظم (عليه السلام) نبيا ولكن عقيدة الشيعة في الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) معروفة غير خافية على أحد، و لا يمكن أن يُشكَّك فيها بحديث مروي لم يدرك معناه.

الوهابية,الامام الكاطم,السلفية

جاء في الكافي: إن أبا الحسن موسى الكاظم و هو الإمام السابع من أئمة الشيعة الاثني عشرية قال: الله عز و جل غضب على الشيعة، فخيَّرني نفسي أو هم، فوقيتهم بنفسي.[1] ولكن هذا الحديث رواه الكليني رحمه الله عن علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن بعض أصحابنا، عن أبي الحسن موسى عليه السلام. فهو حديث ضعيف الإسناد، لأنه مرسَل قد جُهل بعض رواته فلا يصح العمل به و لا الاعتقاد بمضمونه، لأن المعتقدات لا يجوز إثباتها بالحديث الصحيح فضلاً عن الضعيف. و عليه، فزعم الوهابية أن مضمون هذا الخبر مما أُلزم الشيعي باعتقاده و فُرض عليه الإيمان به زعم باطل لم يستند إلى حجة، و مجرد روايته في الكافي لا يدل على أن الشيعة يعتقدون به كما مر.
إذن معنى قوله (عليه السلام): «إن الله غضب على الشيعة» يعني به جماعة من الشيعة المعاصرين له عليه السلام، و إنما غضب عليهم لأمور وقعت منهم.
يقول العلامة محمد باقر المجلسي (أعلى الله مقامه): «غضب على الشيعة» إما لتركهم التقية، فانتشر أمر إمامته (عليه السلام)، فتردد الأمر بين أن يقتل الرشيد شيعته و يتتبعهم، أو يحبسه عليه السلام و يقتله، فدعا عليه السلام لشيعته، و اختار البلاء لنفسه. و إما لعدم انقيادهم لإمامهم و خلوصهم في متابعته و إطاعة أوامره، فخيَّره الله تعالى بين أن يخرج على الرشيد فتُقتل شيعته إذا يخرج، فينتهي الأمر إلى ما انتهى إليه. و قيل: خيَّرني الله بين أن أوطِّن نفسي على الهلاك و الموت، أو أرضى بإهلاك الشيعة، «فوقيتهم و الله بنفسي» يعني فاخترتُ‌ هلاكي دونهم. و قيل: أي فخيرني بين إرادة موتي أو موتهم، لتحقّق المفارقة بيني و بينهم، فاخترتُ‌ لقاء الله شفقة عليهم.[2]
و حاصل معنى الحديث أن الله سبحانه قد غضب على بعض الشيعة لأمور قبيحة صدرت منهم، فدار الأمر حينئذ بين قتل الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) و بين هلاك الشيعة، فاختار الإمام (عليه السلام) قتله، و وقى شيعته بنفسه، فحصلت لهم بذلك النجاة من القتل و البلاء.
والحديث لا دلالة فيه على أن الله تعالى أوحى إلى الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) أنه غضب على الشيعة و أنه خيَّره نفسه أو الشيعة -كما يدعي الوهابية- لأنه (عليه السلام) لم يقل: «إن الله عز و جل أوحى إليَّ‌ ذلك». و الحديث لا يدل على أكثر من أن الإمام (عليه السلام) علم بأن الله سبحانه قد غضب على جمع من الشيعة، أما كيف علم الإمام بذلك فهذا شيء آخر.
و يحتمل في المقام أمران: الاول: أنه عليه السلام علم ذلك بالإلهام، فإن الإلهام يقع في هذه الأمَّة، و أثبته أهل السنة لجمع من الناس، منهم عمر بن الخطاب. و استدلوا على ثبوت الإلهام لخصوص عمر بن الخطاب بما أخرجه البخاري مسلم و الترمذي و أحمد و الحاكم و ابن حبان و الطيالسي و الطحاوي و غيرهم عن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: لقد كان فيما قبلكم من الأمم محدَّثون، فإن يك في أمتي أحد فإنه عمر.[3]
و على هذا فليس بمستبعد أن يكون الإمام الكاظم (عليه السلام) واحداً من هؤلاء المحدَّثين الكثيرين في هذه الأمة. لأنه إمام من أئمة المسلمين و واحد من رؤساء الدين. و هذه كلمات أعلام أهل السنة تصدح في الإشادة بجلالته و التنويه بعظمته و سمو مكانته، و هي أكثر من أن يتسع لها المقام، منها: قال ابن حجر: موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي، أبو الحسن الهاشمي، المعروف بالكاظم، صدوق عابد.[4] ومنها ما قال الذهبي: كان صالحاً عابداً جواداً حليماً كبير القدر.[5]
الثاني: لعلَّ‌ الإمام (عليه السلام) إنما قال ذلك بناءً على ما هو الظاهر من أن الله سبحانه يغضب على مَن فعَل فعلاً من الأمور العظيمة التي يكون لها آثار سيّئة على الإسلام و المسلمين، فإن الإمام (عليه السلام) لما رأى أن جماعة من الشيعة قد تركوا التقية و صرَّحوا باسم الإمام، علِمَ‌ أن الله قد غضب عليهم، بتعريضهم الإمام أو باقي الشيعة للقتل و الهلاك.
و الحديث الذي رواه الكليني رحمه الله مع ضعفه لا يدل على أن الله سبحانه أوحى إلى الإمام (عليه السلام) -كما يفتري الوهابية على الشيعة- و لو سلَّمنا بدلالته على ذلك فالوحي لا يستلزم النبوة، فإن الله جل شأنه أوحى إلى أُم موسى عليه السلام، فقال (وَ أَوْحَيْنٰا إِلىٰ‌ أُمِّ‌ مُوسىٰ‌ أَنْ‌ أَرْضِعِيهِ‌ فَإِذٰا خِفْتِ‌ عَلَيْهِ‌ فَأَلْقِيهِ‌ فِي الْيَمِّ‌ وَ لاٰ تَخٰافِي وَ لاٰ تَحْزَنِي إِنّٰا رَادُّوهُ‌ إِلَيْكِ‌ وَ جٰاعِلُوهُ‌ مِنَ‌ الْمُرْسَلِينَ‌).[6] اتفق الشيعة والسنة على أن أُم موسى (عليه السلام) ما كانت من الأنبياء و الرسل، فلا يجوز أن يكون المراد من هذا الوحي هو الوحي الواصل إلى الأنبياء. و كيف لا نقول ذلك و المرأة لا تصلح للقضاء و الإمامة فكيف تصلح للنبوة‌؟!
و على كل حال، فعقيدة الشيعة في الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) معروفة غير خافية على أحد، و لا يمكن أن يُشكَّك فيها بحديث مروي في كتاب الكافي أو في غيره من مصادر الحديث المعتمدة عند الشيعة.

المصادر:
[1] . الكافي، ج1، ص260.
[2] . مرآة العقول، ج3، ص126.
[3] . صحيح البخاري، ج4، ص211، كتاب الانبياء، الباب 51.
[4] . تقريب التهذيب، ص550.
[5] . العبر في خبر من غير، ج1، ص222.
[6] . القصص: 7.

Plain text

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a> <em> <strong> <span> <blockquote> <ul> <ol> <li> <dl> <dt> <dd> <br> <hr> <h1> <h2> <h3> <h4> <h5> <h6> <i> <b> <img> <del> <center> <p> <color> <dd> <style> <font> <u> <quote> <strike> <caption>
  • تتحول مسارات مواقع وب و عناوين البريد الإلكتروني إلى روابط آليا.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
1 + 13 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.