نمط التربية في الصبر والتضحية

12:54 - 2024/05/08

المواساة تعني تشريك الآخرين في المال والحياة أو تقديم الآخرين على الذات، وهي واحدة من أجمل الصفات الاجتماعية التي أكد عليها دين الإسلام، وتجلت في كربلاء بأجمل صُوَرها.

كان شهداء عاشوراء أفضل نموذج لصفة المواساة المتميزة، بل وصلوا إلى التضحية من تجاوزهم المواساة إلى الإيثار، كان الأصحاب يمتلكون هذه الحالة تجاه الإمام الحسين عليه السلام وأصحابهم، ولم يكونوا يترددون في التضحية بأي شيء وكانوا يفخرون بتلك المواساة.

كان الإمام الحسين عليه السلام، في طريق كربلاء بعد مواجهته مع جيش الحر، وبعد حوار طويل، قال للحر: ما أدري ما أقول لك؟ ولكني أقول كما قال أخو الأوس، حيث يقول:

"سأمضي وما بالموت عار على الفتى * إذا ما نوى خيرا، وجاهد مسلما

وواسى الرجال الصالحين بنفسه * وفارق مذموما وخالف مجرما

أقدم نفسي لا أريد بقاءها * لتلقى خميسا في الوغاء عرمرما

فإن عشت لم ألم وإن مت لم أذم * كفى بك ذلا أن تعيش مرغما"[1]

وفي ظلمة الليل قال الإمام لأصحابه: اعلموا، أنكم خرجتم معي لعلمكم أني أقدم على قوم بايعوني بألسنتهم وقلوبهم، وقد انعكس الأمر لأنهم استحوذ عليهم الشيطان فأنسيهم ذكر الله، والآن ليس لهم مقصد إلا قتلي وقتل من يجاهد بين يدي، وسبي حريمي بعد سلبهم، وأخشى أن تكونوا ما تعلمون وتستحيون. والخدع عندنا أهل البيت محرم، فمن كره منكم ذلك فلينصرف، فالليل سَتيرٌ والسبيل غير خطير والوقت ليس بهجير، ومن واسانا بنفسه كان معنا غدا في الجِنان نجيا من غضب الرحمن.[2]

المواساة

التسابق إلى التضحية و المواساة

إنها واحدة من أجمل مظاهر المواساة والإيثار، عندما يثار الحديث عن الموت بين أصحاب بني هاشم، فيقول العباس عليه السلام لبني هاشم: "إنّ هؤلاء -أعني الأصحاب- قوم غرباء، والحمل ثقيل لا يقوم إلاّ بأهله، فإذا كان الصباح فأوّل مَنْ يبرز إلى القتال أنتم، نحن نقدمهم إلى الموت لئلاّ يقول الناس قدّموا أصحابهم، فلمّا قُتلوا عالجوا الموت بأسيافهم ساعة بعد ساعة، فقامت بنو هاشم، وسلّوا سيوفهم في وجه العباس، وقالوا: نحن على ما أنت عليه"[3]

وتجلّت المواساة في خيمة أخرى عندما اجتمع الأصحاب، فقال لهم حبيب بن مظاهر: يا أصحابي لم جئتم إلى هذا المكان، أوضحوا كلامكم رحمكم الله؟ فقالوا بلسان واحد:

أتينا لننصر غريب فاطمة! فقال حبيب: فإذا كان الصباح فما أنتم قائلون؟ فقالوا: الرأي رأيك، ولا نتعدى قولا لك. قال حبيب: فإذا صار الصباح فأول من يبرز إلى القتال أنتم، نحن نقدمهم القتال، ولا نرى هاشميا مضرجا بدمه، وفينا عرق يضرب لئلا يقول الناس: قدموا ساداتهم للقتال، وبخلوا عليهم بأنفسهم، فهزوا سيوفهم على وجهه وقالوا: نحن على ما أنت عليه.[4]

وفي يوم العاشر من محرم، جاءه عبد الله وعبد الرحمن ابنا عزرة الغفاريان، فقالا: يا أبا عبد الله! عليك السلام، حازنا العدو إليك، فأحببنا أن نقتل بين يديك، نمنعك وندفع عنك. قال عليه السلام: مرحبا بكما، أدنوا مني، فدنوا منه، فجعلا يقاتلان قريبا منه.[5]

المصادر:

[1] . بحار الأنوار، محمد باقر المجلسي، ج ٤٤، ص ١٩٢.

[2] . ليلة عاشوراء في الحديث والأدب، الشيخ عبد الله الحسن، ج1، ص30.

[3] . كربلاء الثورة والمأساة، أحمد حسين يعقوب، ج 1، ص 302.

[4] . المصدر، ج 1، ص 303.

[5] . موسوعة كلمات الإمام الحسين (ع)، لجنة الحديث في معهد باقر العلوم (ع)،ص ٥٤٠.

Plain text

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a> <em> <strong> <span> <blockquote> <ul> <ol> <li> <dl> <dt> <dd> <br> <hr> <h1> <h2> <h3> <h4> <h5> <h6> <i> <b> <img> <del> <center> <p> <color> <dd> <style> <font> <u> <quote> <strike> <caption>
  • تتحول مسارات مواقع وب و عناوين البريد الإلكتروني إلى روابط آليا.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
20 + 0 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.