الحجاب

قد أوجب التشريع الإسلامي على المرأة الحجاب وهذا لاجدال فيه بين العوامّ حتّى قبل العلماء. والنصوص الشرعية واضحة في هذا الحكم كتابا وسنة. ففي الكتاب العزيز قد ورد قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء المُؤمِنِينَ يُدنِينَ عَلَيهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدنَى أَن يُعرَفنَ فَلاَ يُؤذَينَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً}. (1). وأيضاً قوله تعالى: {وَقُل لِّلمُؤمِنَاتِ يَغضُضنَ مِن أَبصَارِهِنَّ وَيَحفَظنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنهَا وَليَضرِبنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ}. (2). 
فهاتان الآيتان _وغيرهما_ قد وردتا في لزوم ووجوب ستر المرأة لنفسها بالشكل الذي تعارف عليه المسلمون، حسب المفهوم من الحجاب والستر. وهذا الوجوب واللزوم من الضرورات عند المسلمين. وكل العلماء متفقون على ذلك سنة وشيعة، ولم أقف على قول عالم واحد يُخالف هذا الإتفاق ممّن يُعتد بقوله، بل إن الشاذ عن هذا يكاد يكون معدوما، فكلمة العلماء واحدة في هذا الشأن وهم متسالمون على ذلك. وهذا التسالم بين المسلمين على مختلف طبقاتهم وتوجهاتهم ومذاهبهم يكشف عن أخذِ هذا الحكم الشرعي يداً بيد من المُشرّع الإسلامي وهو النبي (صلى الله عليه وآله). وقد أجمع المفسرون على تفسير هذه الآيات بالحجاب الإسلامي المتعارف؛ فأنظر في ذلك تفاسير المسلمين واستفادة وجوب الحجاب والستر على المرأة. (3). والحجاب: في اللغة بمعنى الستر، (4). وفي الاصطلاح هو ما يستر جسم المرأة وشعرها من دون زينة ولا افتتان، ويكفي إذا كان فضفاضاً. (5). وقد ذكر الفقهاء أن مقدار الحجاب الشرعي الذي يجب على المرأة هو: ستر جميع بدن المرأة عدا الوجه والكفين عن الأجانب، وكذا يجب ستر الزينة ولو كانت الزينة في اللباس لانها مظهرة للبدن وكاشفة عن تفاصيله، بحيث توجب جلب نظر الرجال الأجانب الذين يحرم عليهم النظر للمرأة إليه.(6). وأما مسألة وجوب تغطية الوجه من عدمها، فإن ذلك مورد خلاف بين العلماء فبعضهم _مثلا_ أفتى بالإحتياط الوجوبي بتغطيته إذا كان ذلك محلا لإثارة الفتنة، لكن عموما تبقى هذه الجزئية في الجانب البحثي الفقهي البحت، فيمكن الإطلاع على تفاصيلها فى الرسائل العملية للفقهاء وموسوعاتهم. أما الروايات من السنة التي دلت على لزوم الحجاب ويستفاد منها وجوبه فمنها:
1_ عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال: سألت الرضا (عليه السلام) عن الرجل أيحل له أن ينظر إلى شعر اخت زوجته ؟ فقال: (لا إلاّ أن تكون من القواعد) قلت له: اخت امرأته والغريبة سواء قال : (نعم...) الحديث. (7). 
2_ عن الفضيل بن يسار قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الذراعين من المرأة أهما من الزينة التي قال الله تبارك وتعالى {ولا يبدين زينتهن إلاّ لبعولتهن} قال: "نعم وما دون الخمار من الزينة وما دون أسوارهن". (8). 
3_ عن مسعدة بن زياد قال: وسمعت جعفراً (عليه السلام) سئل عمّا تظهر المرأة من زينتها قال: "الوجه والكفين". (9). 
4_ عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: "لا يصلح للجارية إذا حاضت إلاّ أن تختمر إلاّ أن لا تجده". (10). ولمن يسأل عن صحة هذه الروايات _و إن كان الحكم الشرعي كالحجاب لا يحتاج لأكثر من رواية صحيحة لإثباته.. ولا ضرورة للتواتر _ نقول: بأن هذه الروايات قد صرح بصحتها أصحاب العلم وأهل الإختصاص.  فالرواية الأولى: صحيحة: انظر جواهر الكلام 39/86 وكذلك الرواية الثانية: انظر موسوعة احاديث اهل البيت 3/341 ومرآة العقول 20/340. وكذلك الرواية الثالثة: انظر جواهر الكلام 29/75. والحديث الرابع قيل عنه في مرآة العقول 20/370 حسن كالصحيح، وفي موسوعة احاديث اهل البيت قيل الرواية معتبرة الإسناد. 
والروايات الواردة عن أهل بيت العصمة (عليهم السلام) في هذا الشأن وفي هذا الباب كثيرة ومستفيضة، ولمن أراد الإستزادة فيمكنه مراجعة بعضها في كتاب (الكافي للشيخ الكليني (ج5) ص520/ باب ما يحل النظر إليه من المرأة).

__________________________________

المصادر :

[1]. الأحزاب:59.
[2]. النور:31. 
[3]. تفسير الميزان ـ للطباطبائي ـ 339/16. تفسير القرطبي      243/14.
[4]. ابن منظور، لسان العرب، ج 1، ص 298.
[5]. الشيرازي، الأسئلة والأجوبة - اثنا عشر رسالة، ج‌ 2، ص 11.
[6]. التبريزي، صراط النجاة، ج‌ 9، ص 116. 
[7]. قرب الاسناد 363. 
[8]. الكافي 2/ 520. 
[9]. قرب الاسناد 82. 
[10]. الكافي 5/ 532.