حديث «لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» ومسألة الصلاة والدعاء قرب القبور

الحديثان (لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) و(اللهم لا تجعل قبري وثناً) بحسب الأدلة التي سنذکرها لا تمنع عن الصلاة والدعاء قرب قبر النبي(صلی الله عليه وآله وسلم) وسائر القبور ويجب أن نبين عدة أمور في هذه المسألة:
1- الأشخاص الذين جاءوا في سند هذا الحديث إما ضعاف أو مجهولون، فعبد الوارث مردود عند أهل السنة لأنه کان قدري المسلك، وأبو صالح مردد بين ضعاف وثقاة، وعبدالله بن عثمان منکر الحديث، وابن بهمان غير معروف، فالحديث مشکل من ناحية السند. [1]
2- الحديث لا دلالة فيه علی حرمة الصلاة والدعاء في جوار القبور، لأن فيه إشارة إلی رواية الکنيسة الحبشية التي کانت إذا مات شخص صالح من رعاياها تبني فوق قبره مسجداً، وکانت توضع عليه صور، وکانوا يسجدون اتجاههما؛ وليس لهذا المعنی ارتباط بالصلاة ببه والتوجه للکعبة وإلی جانب قبور الصالحين.
فالقرطبي يقول: «إنما صور أوائلهم الصور ليتآنسوا بها ويتذکروا أفعالهم الصالحة، فيجتهدون کاجتهادهم ويعبدون عند قبورهم ثم خلفهم قوم جهلوا مرادهم ووسوس لهم الشيطان: «إن أسلافهم کانوا يعبدون هذه الصور ويعظمونها فحذر النبي عن مثل ذلك». [2]
ويقول البيضاوي: «لما کانت اليهود والنصاری يسجدون لقبور الأنبياء تعظيما لشأنهم ويجعلونها قبلة يتوجهون في الصلاة نحوها، واتخذوا أوثاناً، لعنهم النبي(صلی الله عليه وآله وسلم)...» [3] وهذا المعنی ليس له أي ارتباط لزيارة النبي(صلی الله عليه وآله وسلم) والأئمة الطاهرين(عليهم السلام) والصالحين والصلاة لله عندهم.
3- أفتی کثير من علماء السنة بجواز الصلاة في المقابر ومنهم مالك بن أنس: «کان مالك لا يری بأساً بالصلاة في المقابر، وهو إذا صلی في المقبرة کانت القبور بين يديه وخلفه وعن يمينه وشماله، وقال: لا بأس بالصلاة في المقابر، وقال: بلغني أن بعض أصحاب النبي کانوا يصلون في المقبرة». [4]
ويقول عبدالغني النابلسي: «إذا کان موضع القبور مسجداً أو علی طريق أو کان هناك أحد جالساً أو أن قبر ولي من أولياء الله أو علم من المحققين تعظيماً لروحه المشرقة علی تراب جسده إعلاماً للناس أنه ولي ليتبرکوا به، ويدعوا الله عنده فيستجاب لهم، فهو أمر جائز لا مانع منه». [5]

المصادر:
1- رفع الشبهات، ص22.
2- إرشاد الساري، ج3، ص497.
3- إرشاد الساري، ج3، ص498.
4- المدونة الکبری، ج1، ص90.
5- الحديقة الندية، ج2، ص630.