حكم البناء على القبور من منظرأهل البيت عليهم السلام

21:08 - 2016/02/27

الملخص:أنّ البناء على القبور لم يثبت مانع شرعي عنه لا في الكتاب ولا في السنّة ولا في الفقه بمذاهبه المختلفة، ولا في عمل المسلمين طيلة سبعة قرون، وأنّ نصوص أئمة أهل البيت(عليهم السلام)ومذهبهم الفقهي لا يختلف في ذلك عن سائر المذاهب سوى التمييز بين قبور الأنبياء والأئمة والصالحين عن قبور سائر الناس بارتفاع الكراهة عن البناء على القسم الأوّل، وربّما استحبابه ودخوله تحت عنوان تعظيم الشعائر، وثبوت الكراهة في البناء على قبور سائر الناس.

حكم البناء على القبور

منذ زمن الرسول (صلى الله عليه وآله) وحتّى أيام ابن تيمية المتوفّي عام (708 هـ) وتلميذه ابن القيم المتوفّي سنة (751 هـ)، سبعة قرون ونصف مضت على المسلمين وهم لا يعرفون في أُمورهم الشرعية مسألة تثير التشنج والخصومة بينهم باسم مسألة البناء على القبور، حتّى جاء ابن تيمية فأفتى بعدم جواز البناء على القبور.حيث كتب، يقول: (اتفق أئمة الإسلام على أنّه لا يشرع بناء هذه المشاهد التي على القبور، ولا يشرع اتّخاذها مساجد، ولا تشرع الصلاة عندها... الخ)(1).
ثمّ جاء بعده ابن القيّم الجوزية حيث كتب، يقول: (يجب هدم المشاهد التي بُنيت على القبور، ولا يجوز إبقاؤها بعد القدرة على هدمها وإبطالها يوماً واحداً)(2).ثمّ جاء بعدهم محمد بن عبد الوهاب المتوفّي سنة (1206 هـ) فحوّل التشدّد والخشونة إلى مذهب فقهي يعتمد على التكفير والاتهام بالشرك والتهديد بهدر الدم وسبي الذراري لكل من ارتكب سبباً من أسباب التكفير عنده، وما أكثرها! بل ولكل من خالفه في تكفير المتهمين بالكفر عنده.ويُعد اعتناق حاكم الدرعية محمد بن سعود لأفكار محمد بن عبد الوهاب، أهم عامل أدّى إلى ذيوعها وانتشارها وتجميع القوي البدوية من أجل نصرتها وتطبيقها والسعي لحمل المناطق المجاورة على التقيّد بها.ومنذ ذلك الوقت وحتّى يومنا هذا أصبحت مسألة بناء المشاهد على القبور من أبرز ما يشنّع به الوهابيون على سائر المسلمين، وسيفاً يُشهر للاتهام بالكفر والشرك، وسبباً من أسباب الصراع وضياع وحدة المسلمين.ونظراً لأهمية هذه المسألة وحساسيتها الشديدة، فقد تكفلت هذه الدراسة ببحثها من جهاتها المختلفة، ورائدنا فيها هو بيان الحقيقة ودرء خطر التمزّق عن المسلمين، ومكافحة نزعة التكفير بينهم، وحماية وحدتهم وشوكتهم من التصدّع.
المسأله في ضوء نصوص أئمه أهل البیت:وإذا جئنا إلی النصوص المرویة عن أئمة أهل البیت(علیهم السلام)وجدناها تؤید ماترویة المذاهب الإسلامیة الاُخری عن النبي(صلی الله علیه وآله)في هذه المسألة، وها نحن نورد نماذج منها: فقد روي عن الإمام الباقر(علیه السلام) أنّه قال: «.. ویرفع القبر فوق الأرض أربع أصابع» [3] . وروي عن الإمام الکاظم(علیه السلام) أنّه قال: «لا یصلح البناء علیه ولا الجلوس ولا تجصیصه ولا تطیینه» [4] . ونقل الکلیني في الکافي بسنده عن السکوني، عن الإمام الصادق(علیه السلام) أن أمیر المؤمنین(علیه السلام)قال: «بعثني رسول الله(صلی الله علیه وآله) إلی المدینة فقال: لا تدع صورة إلاّ محوتها ولا قبراً إلاّ سویته ولا کلباً إلاّ قتلته» [5] وروی أیضاً بسند آخر أنّه(علیه السلام) قال: «بعثني رسول الله(صلی الله علیه وآله) في هدم القبور وکسر الصور» [6] . والمشهور ضعف الحدیثین الأخیرین من حیث السند [7] ، وهما من حیث المضمون یشبهان الحدیث المروي عن أمیر المؤمنین من طرق أهل السنّه الذي مرّت مناقشته، ویشبهان کذلک حدیث أبي الهیاج الأسدي. ولکن متنهما أفضل من متن تینك الحدیثین لخلوّهما من بعض الاشکالات التي ذکرناها علیهما فیما مضی، ولکن مع ذلك یرد علی متن الحدیث الثالث اشتماله علی قتل الکلب، وهو ممّا لا وجه شرعي له. والحدیث الرابع أفضل هذه الطائفة متناً، ففیه یقول الإمام علي(علیه السلام): بعثني رسول الله(صلی الله علیه وآله) ولم یقل إلی المدینة بالنحو الذي یثیر التساؤل عن مکان صدور الحدیث لعدم تناسب الحدیث مع مکان یکون خارج المدینة، والحدیث الرابع یمتاز عن البقیّة بخلوّه عن هذا الاشکال، وامتیازه الآخر عدم ذکر الأصنام الذي قلنا فیما سبق عدم تناسب ذکر الأصنام مع ظرف المدینة في زمان حکم النبي(صلی الله علیه وآله)فیها. وامتیازه الثالث بورود کلمه «هدم القبور» الصالحة لتفسیر کلمه التسویة الواردة في الأحادیث الاُخری «ولا قبراً إلاّ سوّیته» فإنّ الهدم ینسجم مع بناء عال من جهة، ولا یستلزم مساواة القبر مع الأرض من جهة ثانیة، ویلتئم بالنتیجة مع الأحادیث الدالة علی استحباب ارتفاع القبور مقدار أربعة أصابع عن الأرض بالنحو الذي یفید أنّ عبارة «ولا قبراً إلاّ سوّیته» لا تعنی التسویهة مع الأرض، وإنّما المقصود بها ارادة التسطیح ونفي التسنيم.

[1] مجموعة الرسائل والمسائل: 1/59 ـ 60، ط مصر باشراف محمد رشيد رضا.
[2] زاد المعاد: 661.
[3] الوسائل: 3/192، أبواب الدفن، باب 31 ح 1 ، وهناك أحد عشر حديثاً آخر بهذا المضمون مروية عن الإمام الصادق والإمام الكاظم والإمام على(عليهم السلام) .
[4] المصدر السابق: 210، أبواب الدفن باب 44 ح 1 وفى الباب عدّة أحاديث اُخرى بهذا المضمون.
[5] المصدر السابق: 209، أبواب الدفن باب 43 ح 2.
[6] كشف الارتياب: 211، ابواب الدفن باب 44 ح 6.
[7] مرآة العقول: 22/440 ـ 441، ط طهران.

المصدر الأصلي:مؤسسة السبطين العالمية في رحاب أهل البيت حكم البناء على القبور
 

نظرات

Plain text

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a> <em> <strong> <span> <blockquote> <ul> <ol> <li> <dl> <dt> <dd> <br> <hr> <h1> <h2> <h3> <h4> <h5> <h6> <i> <b> <img> <del> <center> <p> <color> <dd> <style> <font> <u> <quote> <strike> <caption>
  • تتحول مسارات مواقع وب و عناوين البريد الإلكتروني إلى روابط آليا.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
4 + 2 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.