حب الدنيا في نهج البلاغة

08:54 - 2022/02/16

-أحد الأمراض التي قام الامام علي عليه السلام بمعالجتها هو حب الدنيا.

حب الدنيا في نهج البلاغة

في "نهج البلاغة" ما أكثر ما نجد ذم الدنيا والانخداع بها والتحذير منها ومن مخاطرها. وأحد الأقسام المهمة في نهج البلاغة هو ما يتعلق بالزهد. فلماذا كان الحديث عن الزهد؟ أين أصبح ذلك الزمان الذي كان رسول الله "صلى الله عليه وآله وسلم" يقول فيه: "الفقر فخري"[1] وكان أصحابه يفتخرون بأنهم لم يتلوثوا بمال الدنيا، أمثال أبي ذر وسلمان وعبد الله بن مسعود وأصحاب الصفة الذين كانوا من أشراف أمة النبي، ولم يعتنوا بالدنيا ولا بذهبها وزخارفها. وكان شرف المال لا يساوي شيئاً أمام الشرف الآخر الذي عبر عنه رسول الله "صلى الله عليه وآله وسلم" قائلاً: "أشراف أمتي أصحاب الليل وحملة القرآن".[2] ماذا حدث بعدها في المجتمع الإسلامي بحيث نجد أن نصف كلمات أمير المؤمنين "عليه السلام" تقريباً تدور حول الزهد. لماذا امتلأ "نهج البلاغة" بالزهد والترغيب به، وعلى أي شيء يدل هذا الأمر؟ نعم، إنه يدل على مرض، كان أمير المؤمنين "عليه السلام" يصف علاجه متحدّثاً بهذا المقدار عن حب الدنيا والتعلّق بها، لأن الناس قد فتنوا بها. فبعد ثلاث وعشرين سنة من وفاة رسول الله "صلى الله عليه وآله وسلم" أسَرِ الناس في الدنيا، وكان سعي أمير المؤمنين "عليه السلام" لتحريرهم منها.

في "نهج البلاغة" عندما نصل إلى موضع ذكر الدنيا نلاحظ شيئاً بارزاً، ونشعر أنّ في كلام أمير المؤمنين هنا لهجة ولوناً آخر. قال عليه السلام: "فإنَ الدنيا رَنِقٌ مَشربُها رَدعٌ مشرعُها يُونِقُ منظرُها. ويُوبِقُ مخبَرُها، غرورٌ حائِل، وضوءٌ آفِل، وظلٌ زائل، وسِنَاد مائل، حتى إذا أنِسَ نافِرُها، واطمأنّ ناكِرُها، قَمَصت بأرجلُها وقَنَصت بأحبُلِها، وأقصَدَت بأسمهُمِها، وأعلقَتِ المرءَ أوهاقَ المنيَّة قائدةً له إلى ضَنْكِ المضجَعِ ووحُشَهِ المرجِع".[3]

فانظروا كم هو جميل هذا الكلام. إنه ينبغي أن يقوم البلغاء والشعراء بدراسة كل كلمة على حدة . وما يلفت نظر الإنسان، هو أنه عندما يتحدث الامام عن الدنيا يقول: " غُرُورٌ حَائِلٌ ، وَضَوْءٌ آفِلٌ ، وَظِلٌّ زائِلٌ،وَسِنَادٌ مَائِلٌ " ثم يقول بعدها: " حَتَّى إِذَا أَنِسَ نَافِرُهَا، وَاطْمَأَنَّ نَاكِرُهَا، قَمَصَتْ بِأَرْجُلِهَا " فالدينا بكل مظاهرها وخدعها تظهر لأولئك الذين كانوا قد فروا واستوحشوا منها بحيث تجعلهم بعد ذلك يأنسون بها "واطمأنَ ناكرُها" وأولئك الذين لم يكونوا مستعدين لمدّ أيديهم إليها، تراهم بعدها يشعرون بالطمأنينة إلى جانبها.

هذا هو المرض، فأولئك الذين كانوا مع رسول الله "صلى الله عليه وآله وسلم" وقد تركوا أموالهم وعيالهم وأوطانهم وتجارتهم في سبيل الإسلام وهاجروا إلى المدينة مع الرسول، وطووا على الجزع والمخمصة والشدة، نراهم بعد عشرين، ثلاثين سنة من وفاة رسول "صلى الله عليه وآله وسلم" عندما يتوفون، يحتاج ورثتهم إلى الفؤوس ليقسّموا الذهب الذي تركوه. هؤلاء هم مصداق قوله "عليه السلام": " حَتَّى إِذَا أَنِسَ نَافِرُهَا، وَاطْمَأَنَّ نَاكِرُهَا ". فهذا أوج كلام أمير المؤمنين "عليه السلام"، وهو نموذج من كلماته "عليه السلام" في موضوع الدنيا.

 

[1] - الأربعون حديثا في حق الفقراء لأبي طاهر السلفي (ص1 بترقيم الشاملة آليا) و الكشكول،بهاء الدين العاملي (2/ 188)

[2] - الكامل في ضعفاء الرجال (4/ 398) و بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٨٤ - الصفحة ١٣٨ نقلا عن مالي الصدوق ص 141.

[3] - محمد عبده، شرح نهج البلاغة، ص 34 ، وابن ابي الحديد ج6 ص 246

Plain text

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a> <em> <strong> <span> <blockquote> <ul> <ol> <li> <dl> <dt> <dd> <br> <hr> <h1> <h2> <h3> <h4> <h5> <h6> <i> <b> <img> <del> <center> <p> <color> <dd> <style> <font> <u> <quote> <strike> <caption>
  • تتحول مسارات مواقع وب و عناوين البريد الإلكتروني إلى روابط آليا.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
2 + 2 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.