نافذة على الإختبار الإلهي

16:12 - 2023/12/25

إن الإستمداد من قوّة الإيمان والألطاف الإلهية عامل مهم آخر في اجتياز الاختبار دون اضطراب وقلق وفقدان للتوازن.

نافذة على الإختبار الإلهي

الإختبار الإلهي سنة كونية والمراد منه تربية العباد وتمحيصهم واستخلاص جواهرهم الحقيقية، فكما أن الفولاذ يتخلص من شوائبه عند صهره في الفرن، كذلك الإنسان لايخلص ولاينقى إلا في خضمّ الحوادث والصعاب، فلو لم يكن الإختبار الإلهي لما تفجرت القابليات، ولما أثمرت الكفاءات، وبالتالي يصبح الإنسان على اثر ذلك أكثر قدرة على مواجهة التحديات والنكبات، وهذه هي فلسفة الإختبار الإلهي في منطق الإسلام، لذا قال الله تعالى: { وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}.[1]

عوامل التوفيق في الإختبار

عندما يقول الله تعالى في كتابه العزيز: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}[2] ؛ يدرك المرء أن الإختبار الإلهي قانون عام يسري على الجميع كل بحسبه، ولما كان الواقع كذلك فإن الله تعالى بين لنا سُبلا معينة في طريق التوفيق والنجاح، ومنها:

الإختبار

1. أشارت الآية السايقة إلى عامل مهم في الإنتصار وقت الإختبار والإمتحان بعبارة: (وَبَشِّرِ الصّابِرِينَ)، فالآية تبشّر بنجاح وفوز أُولئك الصابرين المقاومين، ومؤكدة أن الصبر رمز الإنتصار والخروج من المدلهمات.

2. الإلتفات إلى أن نكبات الحياة ومشاكلها مهما كانت شديدة وقاسية فهي مؤقّتة وعابرة وهذا الادراك يجعل كل المشاكل والصعاب عرضاً عابراً وسحابة صيف، وهذا المعنى تضمنته عبارة: (إِنّا للهِ وَإِنّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ). وكلمة الاسترجاع هذه خلاصة كل دروس التوحيد، والإنقطاع إلى الله، والإعتماد على ذاته المقدسة في كل شيء وفي كل زمان. وأولياء الله ينطلقون من هذا التعليم القرآني، فيسترجعون لدى المصائب كي لا تهزمهم الشدائد، وكي يجتازوا مرحلة الإختبار بسلام في ظل الإيمان بمالكية الله والرجوع إليه. يقول أمير المؤمنين علي عليه السلام في تفسير الإِسترجاع: " إن قولنا: إنا لله إقرار على أنفسنا بالملك. وقولنا: وإنا إليه راجعون إقرار على أنفسنا بالهلك". [3]

3. إن الإستمداد من قوّة الإيمان والألطاف الإلهية عامل مهم آخر في اجتياز الإختبار دون اضطراب وقلق وفقدان للتوازن. فالسائرون على طريق الله يتقدّمون بخطوات ثابتة وقلوب مطمئنة لوضوح النهج والهدف لديهم. وترافقهم الهداية الإلهية في اختيار الطريق الصحيح، يقول سبحانه وتعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}[4].

4. التدقيق في تاريخ الأسلاف، وإمعان النظر في مواقفهم من الإختبارات الإلهية، عامل مؤثر في إعداد الإنسان لاجتياز الإمتحان الإلهي بنجاح، فلو عرف الإنسان بأن ما أُصيب به ليس حالة شاذّة، وإنما هو قانون عام شامل لكل الأفراد والجماعات، لهان الخطب عليه، ولتفهم الحالة بوعي، ولاجتاز المرحلة بمقاومة وثبات. ولذلك يثبّت الله سبحانه على قلب نبيّه والمؤمنين باستعراض تأريخ الماضين، وما واجهه الأنبياء، والفئات المؤمنة من محن ومصائب خلال مراحل دعوتهم،
يقول الله تعالى: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا}[5].

وختاما نشير إلى أن الإمتحان والإختبار الإلهي لا يجري عن طريق الحوادث الصعبة القاسية فحسب، بل قد يمتحن الله عبده بالخير وبوفور النعمة، كما في قوله تعالى: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً}.[6]

_____________

المصادر:

[1] سورة آل عمران، الآية 154.  

[2] سورة البقرة، الآيات 155-157.

[3] نهج البلاغة، ج ٤، ص ٢٢.

[4] سورة العنكبوت، الآية 69.

[5] سورة الأنعام، الآية 34.

[6] سورة الأنبياء، الآية 35.

المصدر : تفسير الأمثل، الشيخ مكارم الشيرازي، ج 1، ص 24، بتصرف.

Plain text

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a> <em> <strong> <span> <blockquote> <ul> <ol> <li> <dl> <dt> <dd> <br> <hr> <h1> <h2> <h3> <h4> <h5> <h6> <i> <b> <img> <del> <center> <p> <color> <dd> <style> <font> <u> <quote> <strike> <caption>
  • تتحول مسارات مواقع وب و عناوين البريد الإلكتروني إلى روابط آليا.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
6 + 13 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.