خطورة العصبية

15:54 - 2023/12/24

إن النصوص الإسلامية تبين لنا خطورة التخلق بخلق التعصب المقيت، وكون الإنسان المتعصب يماثل ابليس في تكبره وتعصبه والأنا التي فيه.

خطورة العصبية

ما جرت العصبية المنبوذة بكل أنواعها في دماء قوم إلا هلكوا وأهلَكوا، فالعصبية التي توقع المرء في المحاذير والمخالفات الشرعية يقينا وقطعا منهي ومردوع عنها، وهذا مادارت عليه كثير من النصوص الإسلامية، لنتبين من ذلك خطورة التخلق بخلق التعصب المقيت، وما من انسان يتصف بهكذا خلق إلا ماثل ابليس في تكبره وتعصبه، لأن العصبية عبارة عن تجسيد الأنا الشيطانية؛ { ... أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ}[1].

ومن هنا كانت هذه الخصلة الإبليسية مما يُهب الإيمان والإسلام؛ كما عن رسول الله صلى الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: " من تعصب أو تعصب له فقد خلع ربق الإيمان من عنقه. وفي نقل -: فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه".[2]

شاهد على خطورة العصبية

يذكر لنا المؤرخون أن مدينة الري كانت عامرة جميلة يعيش أهلها بسلام آمنين. وعن مدينة الري يقول ياقوت الحموي في معجمه: "وهي مدينة مشهورة من أمهات البلاد وأعلام المدن كثيرة الفواكه والخيرات، وهي محطّ الحاجّ على طريق السابلة وقصبة بلاد الجبال .. عجيبة الحسن مبنية بالآجر المنمق المحكم الملمع بالزرقة مدهون كما تدهن الغضائر في فضاء من الأرض، وإلى جانبها جبل مشرف عليها أقرع لا ينبت فيه شيء، وكانت مدينة عظيمة خرب أكثرها".[3]

العصبية

وإذا ما سأل سائل عن سبب خراب هذه المدينة التي كانت عامرة بالحياة والرحمة وأصبحت خاوية على عروشها، وأردنا عرض الجواب، فإنا نعرضه من باب الشاهد على خطورة نفس العصبية دون بحث عن الحيثيات الأخرى التي قد تطرق ذهن القارئ، فنقول:

إن السبب الوحيد والأول والأخير هو "العصبية"، وهذا ما تطالعه جليا في معجم البلدان، فبقول ياقوت الحموي سألت رجلا من عقلاء مدينة الري عن سبب ذلك الخراب والدمار الذي حل فقال: " أمّا السبب (فإنه) كان أهل المدينة ثلاث طوائف: شافعية وهم الأقل، وحنفية وهم الأكثر، وشيعة وهم السواد الأعظم .. فوقعت العصبية بين السنّة والشيعة فتضافر عليهم الحنفية والشافعيّة وتطاولت بينهم الحروب حتى لم يتركوا من الشيعة من يعرف، فلمّا أفنوهم وقعت العصبية بين الحنفية والشافعيّة ووقعت بينهم حروب كان الظفر في جميعها للشافعية.. فهذه المحالّ الخراب التي ترى هي محالّ الشيعة والحنفية، وبقيت هذه المحلة المعروفة بالشافعية وهي أصغر محالّ الرّيّ ولم يبق من الشيعة والحنفية إلّا من يخفي مذهبه .. ولولا ذلك لما بقي فيها أحد".[4]

فإذا رأيت ذلك أدركت مدى الكارثة التي حلت بأولئك بأجمعهم، بسبب العصبية التي ركنوا إليها، فلم يعملوا عقلا ولم يحكموا نقلا، فلا العصبية المذمومة كانت في يوم من الأيام مبعث خير وبناء وسمو ورقي، وفوق ذلك كله ما كانت ولن تكون قربى يُتقرب بها إلى الله تعالى وحاشا لمثلها من الدنس أن يكون كذلك.

________

المصادر:

[1] سورة ص، الآية76.

[2] ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج٣، ص١٩٩٢.

[3] معجم البلدان، ياقوت الحموي، ج3، ص116-117.

[4] معجم البلدان، ياقوت الحموي، ج3، ص116.

Plain text

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a> <em> <strong> <span> <blockquote> <ul> <ol> <li> <dl> <dt> <dd> <br> <hr> <h1> <h2> <h3> <h4> <h5> <h6> <i> <b> <img> <del> <center> <p> <color> <dd> <style> <font> <u> <quote> <strike> <caption>
  • تتحول مسارات مواقع وب و عناوين البريد الإلكتروني إلى روابط آليا.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
2 + 7 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.