التكفير عند ابن تيمية

15:59 - 2016/07/28

الملخص: يُعتبر مفهوم (التكفير) واحد من أهمّ المفاهيم التي أدّت إلى اتّساع رقعة العنف و التطرّف في العالم الإسلامي و قد ترتّبت على ذلك الكثير من الآثار و العواقب...

التکفير

يُعتبر مفهوم (التكفير) واحد من أهمّ المفاهيم التي أدّت إلى اتّساع رقعة العنف و التطرّف في العالم الإسلامي و قد ترتّبت على ذلك الكثير من الآثار و العواقب ما أثار المعنيين إلى كتابة العديد من المقالات و تأليف الكُتب. و لكنّنا سنشير في هذه المقالة بإيجاز إلى تأثّر الجماعات الجهادية و السلفية المتطرّفة بالفكر التكفيريّ، و منشأ هذا الفكر و أسباب انتشاره و علل تفاقمه بين المتطرّفين من السلفيين ممّا يُعتبر عاملًا أساسياً في ازدياد نسبة الجرائم في العالم الإسلامي في الوقت الحاضر.
بالنظر إلى البحوث و التحقيقات التي أُجريت حتى الآن يبدو أنّه و على الرّغم من أنّ منشأ الفكر التكفيريّ يعود إلى فترة ظهور الإسلام، إلّا أنّنا نلاحظ أنّه كلّما ابتعدنا زمنياً عن تلك الفترة- أي، عصر النبيّ (ص)- ازدادت هذه المسألة تعقيداً و تكرّرت بشكل مستمرّ الأمر الذي أدّى إلى ظهور الكثير من الجماعات و الفِرَق المختلفة. و لعلّ أسوأ نموذج على التكفير الذي وقع في صدر الإسلام هو تكفير أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) من قِبَل الخوارج الذين عُرفوا في تاريخ الإسلام بالفرقة التكفيرية المتطرّفة، [1] إلّا أنّ العامل الرئيسي الذي تسبّب في بروز الجماعات التكفيرية في عصرنا هذا ليس الفكر المتطرّف لفرقة الخوارج الذين يحاول الوهابيون اليوم إعلان البراءة منهم‏، [2] بل هي الأفكار و الآراء المنبثقة عن آراء ابن تيمية، و هكذا لا يتسنّى لنا سوى اعتبار آراء ابن تيمية المصدر الأساسيّ للإلهام الفكريّ لدى الجماعات السلفية عموماً و كذلك ما قام به محمّد بن عبد الوهاب كأنموذج عمليّ للجماعات السلفية و الوهابية المتطرّفة بشكل خاصّ، مع أنّه لا يمكننا في هذا المجال تجاهل الآراء و الفتاوى التي أصدرها بعض المثقفين المعاصرين من أمثال سيد قطب و أبي الأعلى المودوديّ. و يبقى الشي‏ء المهمّ في مقالتنا هذه هو التأثير الكبير الذي ولّدته أفكار ابن تيمية التكفيرية و تبنّاه دون شكّ العديد من أولئك المثقفين و المتطرّفين في العصر الحديث، على الرّغم من المحاولات التي يبذلها بعض علماء الوهابية اليوم لإثبات عدم صدور التكفير عن ابن تيمية  مع أنّ جميع الشواهد و القراءات الموجودة في مؤلّفات ابن تيمية تثبت خلاف ما يدّعي هؤلاء، فبالنظر إلى مبادئ المنهجية التي أسّسها ابن تيمية و التي تستند إلى النّقل و مبادئ علم المعرفة التي تتّكئ على الاعتماد على الحديث و محاربة العقلانية، [3] أدّى كلّ ذلك إلى حصره للمبادئ العقائدية الخاصة بباب التوحيد بالتوحيد العباديّ و بالتالي اعتبار الكثير من الأعمال التي يؤدّيها المسلمون- مثل التوسّل و الشفاعة و التبرّك و ما شابهها- شركاً محضاً، ثمّ الحكم بقتل هؤلاء المسلمين و ذبحهم وفقاً لفتوى متطرّفة و ذلك لمجرّد توسّل هؤلاء المسلمين بقبر النبيّ (ص) و اللوذ به و بقبور الأولياء و الصالحين و طلب الحاجة منهم‏. [4] و لقد أدّت هذه السلسلة من أفكار ابن تيمية و آرائه إلى ظهور موجة من‏ التطرّف في تكفير المسلمين بشكل عامّ ممّن يقومون بزيارة قبر رسول الله (ص) [5]  بحيث قام محمّد بن عبد الوهاب مستعيناً بسلفه ابن تيمية و آرائه إلى اعتبار جميع المسلمين الذين يتوسّلون بالملائكة أو الأنبياء أو الأولياء الصالحين، مشركين و كافرين، و أحلّ سفك دمائهم و نهب أموالهم‏. [6] و في كتابه المسمّى (كشف الشبهات) قام ابن عبد الوهاب باتّهام المسلمين في أكثر من أربع و عشرين موضعاً بالشّرك و تسميتهم بالكفّار و المرتدّين و المنافقين في حوالي خمس و عشرين موضعاً فيه‏. [7] و حول هذه المسألة يقول أحمد زيني دحلان: «فصار الأغبياء الجاهلون يستحسنون حالهم و يغفلون و يذهلون عن تكفيرهم المسلمين فإنّهم كانوا يحكمون على الناس بالكفر من منذ ستمائة سنة و غفلوا أيضاً عن استباحتهم أموال الناس و دماءهم و انتهاكهم حرمة النبي (ص) بارتكابهم أنواع التحقير له و لمن أحبّه و غير ذلك من مقابحهم التي ابتدعوها و كفّروا الأمة بها». [8]
وفي الوقت الحاضر نشهد أناساً من أمثال عبد السلام فرج- قائد جماعة تنظيم الجهاد المتطرّفة في مصر- يصرّح في كتابه (الجهاد فريضة غائبة) بتكفير حكّام الدول الإسلامية و غير الإسلامية بالاستناد إلى فتوى ابن تيمية، [9] و وفقاً لفتواه هو فإنّ ارتداد الحكّام المسلمين أشدّ- بزعمه- من ارتداد غير المسلمين‏. [10] و في كتابه المذكور أفرد فصلًا خاصّاً أطلق عليه اسم (مجموعة فتاوى لابن تيمية تُفيد في هذا العصر) ضمّ الكثير من الفتاوى الخاصّة بأحكام الجهاد و القتال بالاعتماد على فتاواه و هو ما يشير بوضوح إلى تأثّر هذا الشخص بأفكار و آراء ابن تيمية بشكل غريب.
وشخصية أكثر غرابة و هو المدعو (صالح سرية)  الذي صرّح في كتابه (رسالة الإيمان) أنّ أفضل العقائد في العالم الإسلامي في الوقت الحاضر هي عقائد ابن تيمية و تلامذته، و يفخر بأنّه من الذين يسيرون على نفس النّهج الذي رسمه ابن تيمية. [11]

المصادر:
[1] تفسير الميزان، ج 9، ص 319؛ مجمع البيان، ج 5، ص 63؛ تفسير نمونه، ج 7، ص 454؛ الملل و النحل، ج 1، ص 115؛ صحيح مسلم، ج 2، كتاب الزكات، ص 743- 750، ح 148، 147، 158 و 156.
[2] الدرر السنية، ج 8، ص 204، أو القصيمي في كتاب( الصراع بين الإسلام والوثنية)، ج 1، ص 470.
[3] مبانى فكرى سلفيه و وهابيت، على زاده الموسوي، السيد مهدي، ج 1، من ص 41 إلى 55.
[4] ابن تيمية، زيارة القبور والاستنجاد بالمقبور، ص 17.
[5] البداية و النهاية، ج 14، ص 143.
[6] محمد بن عبد الوهاب، كشف الشبهات، ص58- مجموع مؤلّفات الشيخ محمّد بن الوهاب، ج 6، ص115.
[7] السيد محسن العاملي، كشف الارتياب، ص148.
[8] زيني دحلان، الدرر السنية في الرّد على الوهابية، ص50.
[9] مجموع الفتاوى، ج28، ص524.
[10] مجموع الفتاوى، ج28، ص534.
[11] رسالة الإيمان، صالح سرية، ص68.

المصدر الأصلي: الأمانة العامة للمؤتمر العالمي لمواجهة التيارات المتطرفة والتکفيرية

كلمات دلالية: 

Plain text

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a> <em> <strong> <span> <blockquote> <ul> <ol> <li> <dl> <dt> <dd> <br> <hr> <h1> <h2> <h3> <h4> <h5> <h6> <i> <b> <img> <del> <center> <p> <color> <dd> <style> <font> <u> <quote> <strike> <caption>
  • تتحول مسارات مواقع وب و عناوين البريد الإلكتروني إلى روابط آليا.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
3 + 9 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.