نتوقف هنا مع هذه الآية الكريمة لنبرز التفسير المنجرف لها كما ذهب إليه البعض في سعيهم لنفي مسألة التوسل بالنبي والأئمة والصالحين، وفي هذا نورد ماورد عن أعلامنا فنقول:
إنّ مسألة التوسل بالنبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و بأولياء دين اللّه عليهم السّلام تعني اتّخاذهم وسيلة و ذريعة الى اللّه تعالى، و هذا ممّا لا يتنافى مع حقيقة التوحيد و لا مع آيات القرآن، بل هي تأكيد على التوحيد و على أنّ كلّ شيء هو من عند اللّه، و أشير إلى الشفاعة و طلب النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم المغفرة للمؤمنين في كثير من آيات القرآن و بهذا يصرّ بعض المبتعدين عن التعاليم الإسلامية و القرآن الكريم على إنكار شيء من قبيل التوسل و الشفاعة.
و قد تذرعوا بعدة ذرائع لإثبات مقاصدهم، منها قولهم: إنّ الآية: (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً ) تعني أنّ اللّه يأمر ألّا تدعوا معه أحدا، و لا ندعوا غيره أو نطلب الشفاعة من غيره! و الإنصاف أنّ ما قالوه لا يناسب سياق الآية و لا يرتبط هذا المعنى بالآية، بل الهدف من الآية نفي الشرك، أي جعل الشيء مع اللّه في مرتبة واحدة في العبادة أو طلب الحاجة، و بعبارة أخرى أنّ المشرك هو من يبتغي الحوائج من غير اللّه تعالى و يجعل له الخيرة و يظن أنّ قضاء حوائجه منه.
كما أنّ كلمة (مع) في الآية: (فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً) تشير إلى هذا المعنى، و هو ألّا يجعل مع اللّه أحد، و يكون ذلك مبدءا للتأثير المستقل، و ليست نفيا لتشفع الأنبياء أو جعلهم وسطاء عند اللّه تعالى، بل إنّ القرآن الكريم يطلب أحيانا ذلك من النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نفسه و أحيانا أخرى يأمر بطلب الشفاعة من النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كما نقرأ في الآية (103) من سورة التوبة: خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِها وَ صَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ.
و كذا الآية (97) من سورة يوسف عن لسان إخوته و هم يخاطبونه أباهم:
يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ فلم يرفض النّبي يعقوب عليه السّلام ذلك الطلب، بل وعدهم في ذلك و قال: سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي.
و لهذا فإنّ مسألة التوسل و طلب الشّفاعة هي من المفاهيم الصريحة في القرآن.
____
الامثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج19، ص97.