نداء الناس إلى الحج

15:53 - 2024/05/16
نداء الناس إلى الحج

كلمة " أذن " مشتقة من " الأذان " أي " الإعلان ". و " رجال " جمع " راجل " أي " ماشي ". و " الضامر " تعني الحيوان الضعيف. و " الفج " في الأصل تعني المسافة بين جبلين، ثم أطلقت على الطرق الواسعة و " العميق " تعني هنا " البعيد ".

جاء في حديث رواه علي بن إبراهيم في تفسيره: عندما تسلم إبراهيم عليه السلام هذا الأمر الرباني قال: إن أذاني لا يصل إلى أسماع الناس، فأجابه سبحانه وتعالى (عليك الأذان وعلي البلاغ)! فصعد إبراهيم عليه السلام موضع المقام ووضع إصبعيه في اذنيه وقال: يا أيها الناس كتب عليكم الحج إلى البيت العتيق فأجيبوا ربكم. وأبلغ الله عز وجل نداءه أسماع جميع الناس حتى الذين في أصلاب آبائهم وأرحام أمهاتهم، فردوا: لبيك اللهم لبيك! وإن جميع الذين يشاركون في مراسم الحج منذ ذلك اليوم وحتى يوم القيامة، هم من الذين لبوا دعوة إبراهيم عليه السلام.

وقد ذكرت الآية هنا الحجاج المشاة أولا، ثم الراكبين، لأنهم أفضل منزلة عند الله، بسب ما يتحملون من صعاب السفر أكثر من غيرهم، ولهذا السبب قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " للحاج الراكب بكل خطوة تخطوها راحلته سبعون حسنة، وللحاج الماشي بكل خطوة يخطوها سبعمائة حسنة " أو أن هذه المنزلة جاءت لتحديد أهمية حج بيت الله الحرام، الذي يجب أن يتم بأي أسلوب وبأية إمكانات. وأن لا ينتظر الحاج مركبا له.

أما عبارة " ضامر " فتعني الحيوان الضعيف، إشارة إلى أن هذا الطريق يجعل الحيوان هزيلا، لأنه يجتاز صحاري جافة محرقة لا زرع فيها ولا ماء، واستعدادا لتحمل الصعاب في هذا الطريق. أو يكون المراد أن على الحاج اختيار جواد قوي سريع صابر، رشيق ضامر، متدرب على السير في مثل هذه الطرق، ولا فائدة ترجى من الحيوان المنعم في هذا الطريق. (مثلما لا يمكن للرجال المترفين اجتياز هذا الطريق).

أما عبارة من كل فج عميق فهي إشارة إلى توجه الحجاج إلى الكعبة، ليس فقط من الأماكن القريبة، بل يشمل ذلك الحجاج من الأماكن البعيدة أيضا.

كلمة " كل " لا تعني هنا الاستغراق والشمول، بل الكثرة.

ويذكر المفسر المشهور أبو الفتوح الرازي في تفسيره لهذه الآية حياة مثيرة لرجل يدعى " أبو القاسم بشر بن محمد " فيقول: رأيت حين الطواف شيخا هزيلا بدت عليه آثار السفر، ورسم التعب علائمه على جبينه. تقدمت إليه وسألته من أين أنت؟ أجاب: من فج عميق طال قطعه خمسة أعوام! فأصبحت شيخا هزيلا من شدة تعب السفر وآلامه، فقلت: والله لهي مشقة، إلا أنها طاعة خالصة وحب عميق لله تعالى.

فسره ذلك ثم أنشد:

زر من هويت وإن شطت بك الدار * وحال من دونه حجب وأستار! لا يمنعنك بعد من زيارته * إن المحب لمن يهواه زوار!

حقا إن جاذبية بيت الله هي بدرجة تجعل القلوب الطافحة بالإيمان تهوى إليه من جميع الأنحاء، قربت أم بعدت، تجذب الشاب والشيخ والصغير والكبير، من كل أمة ومكان، بعيدا أم قريبا، الكل يلبون الله يأتونه عشاقا ليروا مظاهر ذات الله الطاهرة في تلك الأرض المقدسة بأعينهم، ويشعروا برحمته التي لا حدود لها من أعماق وجودهم.

 

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج10، ص322.

Plain text

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a> <em> <strong> <span> <blockquote> <ul> <ol> <li> <dl> <dt> <dd> <br> <hr> <h1> <h2> <h3> <h4> <h5> <h6> <i> <b> <img> <del> <center> <p> <color> <dd> <style> <font> <u> <quote> <strike> <caption>
  • تتحول مسارات مواقع وب و عناوين البريد الإلكتروني إلى روابط آليا.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
7 + 7 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.

سایر تصاویر