يتم تحديد البصيرة على مستويين. بصيرة في النظرة العالمية للمفاهيم التوحيدية، وتختلف هذه عن النظرة المادية الفاقدة للبصيرة.
يجد الإنسان البصيرة في اختيار النظرة العالمية والفهم الأساسي للمفاهيم التوحيدية، مع النظرة التوحيدية لعالم الطبيعة.
والفرق بين النظرة التوحيدية والنظرة المادية هو أن هذا العالم عند النظرة التوحيدية تعبير عن مجموعة نُظُم، مجموعة قائمة على القانون، والطبيعة الهادفة؛ ونحن كجزء من هذه الطبيعة، يكون جودنا وخلقنا وحياتنا هادفة؛ نحن لم نولد بلا هدف. هذا من مقتضيات النظرة التوحيدية. وهذا هو معنى الإيمان بوجود الله العليم القادر.
وعندما نفهم أن هناك هدفًا، فإننا نبحث عنه، وهذا البحث في حد ذاته يبعث على الأمل. وإذا وجدنا الهدف، وفهمناه، هنا يبدأ الجهد للوصول إلى ذلك الهدف. وفي هذه الحالة تصبح الحياة كلها جهدًا؛ إنه جهد موجه وهادف.
ومن هذا المنطلق ينتفي اليأس وخيبة الأمل والإحباط والاكتئاب في حياة الإنسان. لأنه عندما تعلم أن وجودك، وحياتك، ونَفَسُك كله يتحقق بهدف، فإنك تبحث عن ذلك الهدف وتسعى للوصول إليه. ومن وجهة نظر الشرع، فإن هذا الجهد في حد ذاته له أجر وثواب.
والنقطة المعاكسة لهذه النظرة، هي النظرة المادية. التي ترى خلق الإنسان، ووجوده في هذا العالم بلا هدف؛ إنه لا يعرف من أجل ماذا ولد. بالطبع، هو سوف يحدد الأهداف لنفسه في هذا العالم، كالوصول للمال، والحب، وتحقيق المكانة، وتحقيق الملذات الجسدية، والملذات العلمية.
ينتحر لعدم البصيرة
لكن لا شيء من هذه الأهداف يعد طبيعياً، ولا متأصلا في وجوده. لأنه عندما لا يكون هناك إيمان بالله، تصبح الأخلاق بلا معنى، والعدالة بلا معنى؛ إلا المتعة الشخصية والربح الشخصي، ولا شيء غير ذلك يكون منطقيّاً. وإذا سعى لتحقيق مكاسب شخصية وأصيب بأذى، وتكبد خسارة. ولم ينجح في الوصول إلى مكسبه، هنا حان الوقت لليأس والانتحار والقيام بأشياء غير معقولة.
وبهذا البيان، ظَهَرَ الفرقُ بين النظرة التوحيدية والنظرة المادية، بين المعرفة الإلهية والمعرفة المادية، وهذا هو الأساس في البصيرة.
ومن هذا المنطلق، إذا جاهد الإنسانُ، فإن جهاده يكون مقدسا؛ وإذا نهض بالمبارزة المسلحة فكذلك. لأن جهاده لا يقوم على التشاؤم والإضرار بالغير أبدا. وإنما نضاله يكون من أجل وصول الإنسانية إلى الخير والكمال والرخاء والمقامات الرفيعة.
بهذه النظرة يكون للحياة وجه جميل، والتحرك في هذا المجال الواسع مهمة حلوة. ويزيل تعب الإنسان بذكر الله تعالى وبذكر الهدف. هذا هو الأساس للمعرفة والبصيرة التي هي أساس كل جهود الإنسان ونضالاته في المجتمع.