بلغ ما أنزل إليك

إن مسألة تنصيب الإمام علي عليه السلام يوم غدير خم ودلالة استخلافه وكونه الولي الأولى برعاية الدين والدنيا في الأمة المحمدية -بعد أن يلتحق الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بالرفيق الأعلى- به من الأهمية مالا يخفى على أولى الألباب والبصائر والبصيرة، كيف لا والقرآن الكريم جاء ناطقا مبينا لعظمة ذلك اليوم في آيات بينات، بلسان عربي مبين ترتيلها سار في الأمة إلى يوم الدين، فكأنه سبحانه وتعالى يلفت نظر القارئ، وينكت في قلبه و ينقر في أذنه ما يجب عليه أن يدين الله تعالى به في باب خلافته الكبرى والتي زاغت عنها قلوب ما عرفت من الإسلام إلا اسمه.

الأمر الإلهي بتبليغ ولاية علي عليه السلام

نزل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}[1] يوم الثامن عشر من ذي الحجة سنة حجة الوداع (10 هـ) لما بلغ النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم غدير خم فأتاه جبرئيل بهذه الآية الشريفة على خمس ساعات مضت من النهار، فقال: يا محمد؟ إن الله يقرئك السلام ويقول لك:

يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك " في علي " وإن لم تفعل فما بلغت رسالته - الآية - وكان أوائل القوم - وهم مائة ألف أو يزيدون - قريبا من الجحفة فأمره أن يرد من تقدم منهم، ويحبس من تأخر عنهم في ذلك المكان، وأن يقيم عليا عليه السلام علما للناس ويبلغهم ما أنزل الله فيه، وأخبره بأن الله عز وجل قد عصمه من الناس، وهذا ما تسالمت عليه كلمات الإمامية.[2]

عن أبي جعفر عليه السلام قال: "لما أنزل الله على نبيه  (يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين) قال: فأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله بيد علي عليه السلام فقال: يا أيها الناس إنه لم يكن نبي من الأنبياء ممن كان قبل إلا وقد عمر ثم دعاه الله فأجابه، وأوشك أن ادعى فأجيب، وأنا مسؤول وأنتم مسؤولون، فما أنتم قائلون؟

قالوا: نشهد أنك قد بلغت ونصحت وأديت ما عليك، فجزاك الله أفضل ما جزى المرسلين، فقال: اللهم اشهد، ثم قال: يا معشر المسلمين ليبلغ الشاهد الغائب، أوصي من آمن بي وصدقني بولاية علي، ألا إن ولاية علي ولايتي، وولايتي ولاية ربي، عهدا عهده إلي ربي وأمرني أن أبلغكموه، ثم قال: هل سمعتم؟ - ثلاث مرات يقولها - فقال قائل: قد سمعنا يا رسول الله".[3]

وعلى الرغم من أن الأحكام المتسرعة، والتعصبات المذهبية قد حالت دون وضع الحقائق الخاصة بهذه الآية في متناول أيدي جميع المسلمين دون تغطية أو تعمية أو تمويه، إلا أن الكثير من الكتب التي كتبها علماء من أهل السنة في التفسير والحديث والتأريخ، أوردوا فيها روايات كثيرة تقول جميعها بصراحة؛ إن الآية المذكورة قد نزلت في علي عليه السلام وبطرق مختلفة، منها ما جاء عن الواحدي في أسباب النزول:

عن أبي سعيد الخدري ، قال : نزلت هذه الآية : {يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} يوم "غَدِير خُمّ" في علي بن أبي طالب عليه السلام[4]، غير أنك تعجب من كثير من علمائهم عندما يذكر ذلك ثم يبدأ بالإنكار ومحاولة التفنيد لأسباب الله وحده أعلم بها، فهذا الرازي - مثلا - وهو المعروف بتعصبه المذهبي في مسائل خاصة، أدرج سبب نزول هذه الآية كاحتمال عاشر بعد إيراده تسعة احتمالات أخرى كلها واهية وضعيفة ولا قيمة لها.. وتتعجب أكثر من كتاب مثقفين أمثال سيد قطب، في تفسيره " في ظلال القرآن " ومحمد رشيد رضا في تفسيره " المنار "، الذين أهملوا - كليا - الإشارة إلى سبب نزول هذه الآية المذكورة في أمهات المصادر الإسلامية[5].

إن نزول هذه الآية الكريمة في خصوص ذلك الموقف العظيم أعني يوم غدير خم في شأن الإمام علي عليه السلام لهو أبلغ شيء يمكن أن يعتبر به المعتبرون في إمامة أمير المؤمنين وخلافته، لكن ما الحيلة في قوم رضوا واستبدلوا -بعد النبي صلى الله عليه وآله- الذي هو أدنى بالذي هو خير..؟!

_____

المصادر:

[1] سورة المائدة، الآية67.

[2] الغدير في الكتاب العزيز، العلامة الأميني، ص1.

[3] بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج٣٧، ص١٤١.

[4] أسباب نزول القرآن، ابي حسن الواحدي، ص204.

[5] التفسير الأمثل، الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، ج٤، ص٨٧. بتصرف.