البصيرة هي تسليط الضوء، وهي القبلة والبوصلة في الصحراء، إذا تحرك شخص بلا معيّة بوصلة، فقد يصل إلى مكان ما بالصدفة، لكن الاحتمال ضعيف؛ وهناك احتمال أكبر أن يعاني من مشكلات كثيرة وتعب بسبب التيه والحيرة. فالبوصلة مطلوبة لاسيما عندما يكون العدو أمامك، فإذا لم تكن تملك البوصلة، فسوف ترى نفسك محاطاً بالعدو، ولا يوجد شيء يمكنك القيام به.
البصيرة هي البوصلة والكشاف في الفضاء المظلم، إن البصيرة تنير الدرب وتبين لنا الطريق.
إنّنا أينما تمكنا من الفهم الصحيح، وإجراء التشخيص الصحيح - وهذا هو معنى البصيرة - ثم شعرنا بالواجب، وشعرنا بالالتزام والمسؤولية ودخلنا الميدان، كان النصر حليفنا، قال تعالى: "فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ"[1]
عندما تدخل إلى ميدان المواجهة بإيمان وبصيرة، فالنصر حليفك وأنت الرابح؛ لماذا؟ لأن الطرف المقابل ليس لديه إيمان ولا دين ولا دافع روحي عميق. ومن يساعده في هذا، هم عملاء ومرتزقة ومخدوعون. فالمخططون ومديرو المسرح أنفسهم أناس غير مؤمنين.[2]
البصيرة في حياة الإمام علي عليه السلام
حياة أمير المؤمنين كلها دروس وعِبَر. ونشاهد في سلوكيات أمير المؤمنين عليه السلام كل الصفات الحميدة التي ينبغي توفرها في الإنسان القائد، وأفضل هذه الصفات بالنسبة لنا اليوم، هي مسألة البصيرة، وتعليم البصيرة للذين يحتاجون إليها. وهذا يعني إضاءة المسير في جميع العصور، وهذه الشجاعة التي لا نهاية لها، وهذه التضحية العظيمة، هي في خدمة الناس، وتعميق أفكارهم وإيمانهم.
ففي معركة صفين، عندما شعر جماعة معاوية أنهم على وشك خسران المعركة، فمن أجل وقف الحرب، طعنوا المصاحف بأطراف الرماح، ونادوا بالتحكيم إلى القرآن، وعلى أثر ذلك جاء بعض المخدوعين وحاصروا أمير المؤمنين وضغطوا عليه للاستسلام وإنهاء الحرب.
فقال لهم أمير المؤمنين عليه السلام: لقد أخطأتم؛ أنتم لا تعرفون هؤلاء. فهؤلاء الذين أقدموا على رفع المصاحف، هم لا يؤمنون بالقرآن. " إني صحبتهم وعرفتهم أطفالا ورجالا، فكانوا شر أطفال وشر رجال. امضوا عَلَى حقكم وصدقكم، فإنما رفع القوم هَذِهِ المصاحف خديعة ومكيدة"[3]وبالطبع لم يستمعوا إلى كلام أمير المؤمنين عليه السلام، وأصروا على إيقاف الحرب، وعانى العالم الإسلامي تبعات إصرارهم، فأمير المؤمنين إذن هو صاحب البصيرة ومعلمها.[4]
يخبرنا الإسلام أن المجتمع الإسلامي يجب أن يُحكم ويوجه ويعيش وفق نظام الإسلام. يقول الإسلام أنه يجب التعامل مع المعتدين بالقوة؛ وألّا ينبغي للمرء أن ينخدع بالأعداء. هذا هو الخط الواضح لأمير المؤمنين؛ ونحن اليوم بحاجة إلى هذا الخط الواضح.
المصادر:
[1] . سورة المائدة، الآية 23.
[2] . بيانات قائد الثورة في اجتماع أهالي مدينة قم في ذكرى الانتفاضة بتاريخ 19/10/89 ه.ش.
[3] . تاريخ الطبري، الطبري، ج ٤، ص ٤٨.
[4] . بيانات قائد الثورة، في مدينة بوشهر الساحلية، بمناسبة مولد الامام علي عليه السلام بتاريخ 5/4/89 ه.ش.