-لقد سمحت سلطة الخلافة بالفتوى لأشخاص رأوا أن لديهم من المؤهلات ما يكفي للاعتماد عليهم ، ويطمئن لالتزامهم بالخط المعين ، والمرسوم ، بصورة مقبولة ومعقولة.
لقد اهتمت السلطة ببعض الشباب الذين تطمئن الى فتاواهم واقوالهم، منهم زيد بن ثابت، وكان مترئساً بالمدينة في القضاء ، والفتوى ، والقراءة ، والفرائض في عهد عمر ، وعثمان[1] وسبب ذلك يرجع إلى موقفه السلبي من علي أمير المؤمنين « عليه السلام » ، ثم إلى دوره في تقوية سلطان الحكم القائم.
ومنهم عبد الرحمن بن عوف ، و كان ممن يفتي في عهد رسول الله « صلى الله عليه وآله » ، وأبي بكر ، وعمر ، وعثمان بما سمع من النبي « صلى الله عليه وآله ».[2]
وموقف ابن عوف من علي في قضية الشورى ، وصرفه الأمر عن علي « عليه السلام » إلى عثمان بطريقة ذكية ومدروسة ، معروف لا يحتاج إلى مزيد بيان.
ومنهم أبو موسى الأشعري ، وكان - كما يقولون - لا يزال يفتي بما أمره النبي « صلى الله عليه وآله » في زمن أبي بكر ، ثم في زمن عمر ، فبينما هو قائم عند الحجر يفتي الناس بما أمره رسول الله « صلى الله عليه وآله » ؛ إذ جاءه رجل فسارّه : أن لا تعجل بفتياك ، فإن أمير المؤمنين قد أحدث في المناسك شيئاً . فطلب أبو موسى حينئذ من الناس : أن يأتموا بعمر ، ويتركوا ما كان يفتيهم به . ثم سأل الخليفة عن الأمر، فحققه له.[3]
فأبو موسى إذن ، كان يرى : أن سنة عمر مقدمة على ما سنه الله ورسوله الذي لا ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحى !! . ولعله يستند في ذلك إلى ما رووه عن رسول الله « صلى الله عليه وآله » من أنه قال : لو لم أبعث فيكم لبعث عمر !! . أو أنه قال : إنه ما أبطأ عنه « صلى الله عليه وآله » الوحي إلا ظن أنه نزل في آل الخطاب !! . و رواية : لو كان الله باعثاً نبياً بعدي لبعث عمر بن الخطاب.[4]
ورواية : قد كان في الأمم محدثون فإن يكن في أمتي أحد فهو عمر.[5] وغير ذلك مما اختلقته يد السياسة ، وزينه لهم الحب الأعمى.[6]
ومنهم أبو هريرة سمحوا بعد المنع، انه قال: « بلغ عمر حديثي ، فأرسل إليَّ ؛ فقال : كنتَ معنا يوم كنا مع رسول الله « صلى الله عليه وآله » في بيت فلان ؟ قال : قلتُ : نعم ، وقد علمتَ، لِمَ تسألني عن ذلك !! . قال : ولِمَ سألتُكَ ؟ قلتُ : إن رسول الله « صلى الله عليه وآله » قال يومئذ : من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار . قال : أمّا إذنْ ، فاذهبْ فحدّثْ ».[7]
ومن المعلوم : أن عمر كان قد منع أبا هريرة من التحديث[8]، ولكنه لما بلغه حديثه ، وأعجبه أرسل إليه ، وأبلغه سماحه له بالتحديث ، كما ترى !! . ولا بد لنا من أن نتساءل عن تلك الخصوصيات التي لو اشتمل عليها الحديث لأعجب الخليفة ، ويكافئ من يأتي بها بالسماح بما هو ممنوع على من سواه ، من جلة أصحاب رسول الله « صلى الله عليه وآله » !!
المصادر:
[1] - حياة الصحابة ج 3 ص 288
[2] - منتخب كنز العمال ( مطبوع بهامش مسند أحمد ) ج 5 ص 77 .
[3] - مسند الإمام أحمد بن حنبل ج 4 ص 393 .
[4] - مجمع الزوائد ج 9 ص 68 وشرح نهج البلاغة ج 12 ص 178
[5] - مسند ابن راهويه ج 2 ص 479 وصحيح ابن حبان ج 15 ص 317
[6] - راجع : كتاب الغدير للعلامة الأميني رحمه الله
[7] - البداية والنهاية ج 8 ص 107
[8] - سير أعلام النبلاء ج 2 ص 600 - 601 و 602 - 603 والبداية والنهاية ج 8 ص 106 .