توالت المحن والرزايا على أهل البيت عليهم السلام منذ أن التحق النبي صلّى الله عليه وآله بالرفيق الأعلى حيث لم يمتثل أمر رسول الله في الهادين بعد الهادين، والأمة مصرّة على قطيعة رحمه وإقصاء ولده.
لا يعرف التاريخ أسرة كأسرة أبي طالب عليه السلام أذاقها الأعداء ضروب النكال، وصبوا عليها صنوف العذاب، ولم يرقبوا فيها إلا ولا ذمة، ولم يرعوا لها حقا ولا حرمة، وأفرغوا بأسهم الشديد على النساء والأطفال والرجال جميعا في عنف لا يشوبه لين، وقسوة لا تمازجها رحمة، حتى غدت مصائب أهل البيت مضرب الأمثال في فظاعة النكال وقد الأفئدة.
حكمت الدولة الأمويّة وانقض مروان بن الحكم بن العاص عدو اللّه ورسوله على الخلافة، وتغلب عليها بالقوة، ثم تناقلها أولاده من بعده. وخلال فترة حكمهم أوجدوا سنة لعن علي بن أبي طالب وأهل بيت النبوة على المنابر، وعمموا هذا على كافة بلاد المسلمين، فكان الخطباء يلعنون عليا وأهل البيت في كل خطبة ومستهل كل درس.
ثمّ أعقبتها الدولة العبّاسيّة، فزادوا في ظلم أهل البيت، وقتلوا الذرّية العلويّة والشيعة، وفعلوا بهم ما استطاعوا من الأفعال الشنيعة، وملأوا منهم الطوامير والسجون، وبنوا عليهم العمارات والحصون، حتّى انتهت بهم العداوة إلى حرث قبر الإمام الحسين عليه السلام اعلاناً وجهاراً بعد ما اتّخذته الشيعة مقصداً ومزاراً، قال الشاعر:
تالله ان كانت أُميّة قد أتت * قتل ابن بنت نبيّها مظلوما - فلقد أتاه بنو أبيه بمثله * هذا لعمرك قبره مهدوما - أسفوا على أن لا يكونوا شاركوا * في قتله فتتبّعوه رميما. [1]
وفي تلك الأيّام لم يجد أهل البيت عليهم السلام الا الجلوس في زوايا الخفية والاستتار، يستشعرون شعار الخوف والتقيّة، ويغضّون القذى على كلّ مصيبة وبليّة، ويحثّون خواصّهم وشيعتهم على ذلك حتّى أكل الدهر عليهم وشرب، فلا يزورهم زائر، ولا يذكرهم ذاكر، وعلى هذا جرت الأيّام والسنون.
نهضته عليه السلام نبراس لكل البشرية
انطلقت نهضة الامام الحسين عليه السلام ضد ظلم بني أمية فصارت نبراساً لكلّ المسلمين، وصارت مصيبته عليه السلام عظيمة على أهل الأرض و كذلك على أهل السماء، يقول الامام الصادق عليه السلام: "إنّ أربعة آلاف مَلَك هبطوا يريدون القتال مع الحسين بن علي لم يؤذن لهم في القتال، فرجعوا في الاستئذان فهبطوا وقد قتل الحسين عليه السلام، فهم عند قبره شُعْثٌ، غُبْرٌ، يبكونه إلي يوم القيامة"[2]
فما أعظمها من مصيبة لم يرع هؤلاء من بني أمية حرمة هذا الامام العظيم لا في السماء ولا في الأرض.
المصادر:
[1] . أمالي الشيخ الطوسي، ص 329، المجلس الحادي عشر، ح 104.
[2] . بحار الأنوار، محمد باقر المجلسي، ج ٤٥، ص ٢٢٠.