دور النساء في واقعة عاشوراء

بما أن تصرفات الإمام المعصوم عليه السلام وسلوكیاته تقوم على أساس الحكمة، فلا يقوم بأي عمل بدون هدف ولا يترك مصيره لـ "كل ما يحدث"، فيقيناً كان حمل النساء والأطفال من المدينة إلى مكة ومن هناك إلى كربلاء، محسوبًا تمامًا لتحقيق هدف نبيل.

على الرغم من أنه في الظاهر، لم يكن من الحكمة الاتيان بالذين ليسوا على دراية بالحرب والمبارزة الى ساحة القتال في مثل هذه الانتفاضة، إلا أن الإمام الحسين عليه السلام كان مصرّا على حضور النساء الى كربلاء، وكان يؤكد للناس أن حمل العيال معه وظيفة شرعية لا محيص عنها، وخصوصا مع أولئك الذين حاولوا صرفه عن طريقه، وتغيير وجهة نظره، فكان ينسب الامر إلى الله تعالى وبأمر من جده صلى الله عليه وآله كما أوضح هذا إلى أخيه محمد بن الحنفية حينما عزم على الخروج من مكة المكرمة، وقد قال له أخوه ابن الحنفية: ألم تعدني النظر فيما سألتك؟ قال بلى، ولكن بعدما فارقتك أتاني رسول الله صلى الله عليه وآله وقال: يا حسين اخرج فان الله تعالى شاء أن يراك قتيلا.

فاسترجع محمد، وحينما لم يعرف الوجه في حمل العيال معه وهو على مثل هذا الحال، قال له الحسين عليه السلام: قد شاء الله تعالى أن يراهن سبايا.[1]

هذا البيان يدل على أن هناك أمرا وتكليفا شرعيا كما يستفاد هذا أيضا من كلمة شاء الله حيث قيل أنها المشيئة التشريعية التي يتعلق بها الامر، فالله تعالى يريد أن يرى الحسين عليه السلام المدافع والمحامي عن الدين، والمصلح لما فسد منه، ولو أدى ذلك إلى الشهادة والقتل في سبيله.

أخت الحسين عليه السلام

إنّ وجود عيال الحسين عليهم السلام في كربلاء ضروريًا لتؤتي حركة عاشوراء الدموية ثمارها، والتاريخ أثبت ذلك، لأن الحكومة في ذلك الوقت، بالإضافة إلى ارتكابها جريمة كبرى في صحراء كربلاء، كانت تحاول تشويه سمعة حركة عاشوراء، وتقديم يزيد على أنه الخليفة الشرعي لرسول الله، وتقديم الإمام الحسين عليه السلام ورفاقه كمتمردين على الحكومة الإسلامية، كقول يزيد لزينب عليها السلام: إنما خرج من الدين أبوك وأخوك.[2]

فتواجد عائلة الامام في كربلاء وما قاموا به من دور بعد انتقالهم من كربلاء الى سائر البلاء يطوفون بهم كأسرى حرب مع انكشافات وبيانات الوقائع التي حدثت في كربلاء، كل ذلك تسبب في تفكك مؤامرة العدو وانتفاضة الإمام وأهدافه، ليبقى في التاريخ وينتقل إلى الأجيال القادمة.

والسيدة زينب بنت أمير المؤمنين عليه السلام قد تجرّعت الغصص والمصائب العظیمة، فی سبیل الإسلام، والحفاظ علی مبادئه وقیمه، ومناهضة الظلم والاستبداد، ما جعلها قدوةً فذة لجمیع نساء المسلمین، هذه المرأة التی تربّت فی هذا البیت الرفیع، فبذلت جُلّ حیاتها للإسلام، وشارکت فی تحمّل مهام نهضة أخیها الحسین علیه السلام، فساهمت فی صنع التاریخ، وإقامة صروح الحق والعدل، ونسف قلاع الظلم والجور، فسجّلت بمواقفها المشرّفة نصراً للإسلام وعزّاً للمسلمین علی امتداد التاریخ.

المصادر:

[1] . بحار الأنوار، محمد باقر المجلسي، ج ٤٤، ص٣٦٤.

[2] . تاريخ الطبري، ابن جريرالطبري، ج 4 ، ص 353.