النقاط التربوية في زيارة عاشوراء

التحية في الإسلام : إن الامعان في زيارة عاشوراء يكشف أنها ليست كلاما عاديا، لهذا يعتقد ميرزا أبو الفضل الطهراني أنّ لكلّ كلمة من هذه الزيارة غوراً بعيداً وأسراراً مخبوئة، تحتاج إلى من يكشفها ويجلّيها.

بدأت الزيارة بـ "السَّلامُ عَلَيْكَ يا بن رَسُولِ اللهِ" إن لكلّ قوم من الناس آداباً خاصّه يمارسونها عند اللقاء الأوّل، فبعضها تكون بالاشارة بالرأس واليد، وعند النصارى بوضع اليد على الفم، وتحيّة العرب قولهم :" حيّاك الله" أي أبقاك الله على قيد الحياة، وربّما خاطبوا ملوكهم في زمن الجاهلية بقولهم :" أبيت اللعن"[1] أي : لا فعلت ما تستوجب به اللعن، وأحياناً يقولونا :" عم صباحاً" أو" أنعم صباحاً" أو" نعمت صباحاً" وفي العصرالحاضر صارت التتحية برفع قبعة الرأس، وعند اليهود الإشارة بالاصبع، وعند العجم بالانحناء والتعظيم، وغير ذلك وهذه ناتجة من عوامل خاصة مثل خضوع الضعيف للقوي أو استعباد الثاني للأول، أو احساس الأول بالضعة والانحطاط في مقابل ما يملكه الثاني.

وهذه المشاعر التي تنتاب الناس سواءاً عرف مصدرها أم لم يعرف، هي متسربة من وراثة تلقتها الاُمم من عهود البربريّة السحيقة في القدم، وجاء الإسلام فكان أكبر همّه القضاء على كلّ تقليد أو قاعدة أو آداب انتمت إليه واستمدّت منها وأعلنها حرباً لا هوادة فيها.

التحية في الإسلام

مِن ثَمّ قضى الإسلام على أتباعه أن يتحابّوا عند اللقاء ويسلم أحد المتقابلين على الآخر ويضعه في الصيانة والأمن على دمه وماله وملكاته الفاضلة، ووضع لذلك صيغة خاصّة وهي: السلام عليكم أو عليك، وهذا يعني أن لك الأمن والأمان والسلامة منّي، وهذا سلام جعله الله عنواناً للتحيّة وعلى كلّ أحد سواءاً كان عالياً أو دانياً، رفيعاً أو وضيعاً، قويّاً أو ضعيفاً، سيّداً أو مسوداً، أن يستقبل بها ملاقيه.

فالتحيّة في الإسلام هي السلام كما يستفاد من تفسير الآية المنقول عن الخاصّة والعامّة :" وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَىٰ إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا "[2] بناء على قرائة" السلام " المعروفة لا " السَّلَم "، فيكون معنى الآية: إذا حيّاكم أحد بتحيّة الإسلام وأظهر الإسلام بقوله" سلام عليكم " فلا تنكروا عليه ذلك ولا تسارعوا إلى تكذيبه ورميه بالشرك، هذا إذا قرء " مؤمن " بكسر الميم، أمّا إذا قُرئت بفتحها وهي القرائة المنسوبة إلى الإمام الباقر عليه السلام فيكون المعنى: لا تقولوا له لست آمناً لأنّ المسلم يطلب الأمان بالسلام.

في السلام على الإمام الحسين عليه السلام، بدء الخطاب بالكنية " أبا عبد الله " ثمّ النسبة " يا بن رسول الله وأميرالمؤمنين عليهما السلام، وتكرر السلام في زيارة عاشوراء مرات عدة لأن السلام مدعاة للفخر والمباهات كما نقرأ في زيارة أمير المؤمنين عليه السلام: " السلام على المولود في الكعبة، المزوّج في السماء، السلام على أسد الله في الوغى، السلام على من شرّفت به مكّة ومنى، السلام على خامس أهل العباء"[3] فكلّ واحد من هذه الصفات لها من الفضيلة والشرف ما تستحقّ سلاماً وحدها.

المصادر:

[1] . العين، الخليل الفراهيدي، ج 2، ص 142. إصلاح المنطق، ابن اسحاق السكيت، ص 229.

[2] . سورة النساء، الآية 94.

[3] . موسوعة الإمام علي بن أبي طالب (ع) في الكتاب والسنة والتاريخ، محمد الريشهري، ج ٧، ص ٣١٩.