إن عصر الإمام الصادق علیه السلام، عصر ظهور الأفكار والمعتقدات المختلفة بين المسلمين، وفي ذلك الوقت كان الصدام بين الآراء والمعتقدات في مختلف القضايا منتشراً للغاية، فوقف الإمام الصادق عليه السلام في وجهها.
اتخذ الإمام الصادق عليه السلام طريقاً وسطاً رعايةً للمهمة التي كان مسؤولا عنها، وهي الاستقلال في العقيدة والابتعاد عن الميل الى أحد الآراء والمعتقدات المتطرفة أو ترجيح أحداها على الأخرى، كما هو حال المجتمع الإسلامي في ذلك العصر.
في عهد الإمام جعفر الصادق عليه السلام ، كانت النظريات والآراء تسير بقوة، فكان الشيعة الإمامية يجادلون من انتسب من الفصائل الى الشيعة مثل الكيسانية والزيدية والغلاة، ويناظرون انصار أبي حنيفة والزنادقة والدهريين والمعتزلة، وكانوا يرجعون الى الإمام في المسائل المستعصية.
ووفقاً لرسالته كان الإمام الصادق عليه السلام يتخذ موقفا صارما تجاه الأفكار والعقائد المنحرفة ويعلّم شيعته العقائد الإسلامية الصحيحة، ويحذرهم من أي أفكار منحرفة وعقائد باطلة.
ومن الانحرافات والبدع التي ظهرت في زمن الإمام الصادق عليه السلام، مسألة التصوف والصوفية. وقد كتب العلماء والمؤرخون وحتى مؤلفو الصوفية أنفسهم أنه حتى ذلك الوقت لم يكن هناك اسم للتصوف والصوفية، والذين أبدوا اهتماما كبيرا بالدين والعبادة، كانوا يلقبون بالزهاد، الى أن ظهر هذا الاسم في زمن الإمام الصادق عليه السلام، وأول من أطلق عليه لقب الصوفي هو أبو هاشم الكوفي ولم يسبقه أحد بهذا الاسم[1] وكان معاصرا للإمام جعفر الصادق عليه السلام.[2]
قيل: إن أول من دعي بهذا اللّقب ابو هاشم الكوفي الصوفي في القرن الثاني، و هو أول من بني"الخانقاه" في رملة فلسطين لعبادة جماعة من العباد و الزهّاد المسلمين.[3] وحينما انخدع كثير من شيوخ وأهل السنة بكلام الصوفية وتظاهروا بالتصوف والصوفية، انتبه الإمام الصادق عليه السلام إلى خطورة هذا الفكر المنحرف، ووقف لمحاربته، فقد ورد في الكتب الصحيحة عن الإمام الحسن العسكري عليه السلام أنه سئل الإمام الصادق عليه السلام عن حال أبي هاشم الكوفي الصوفي، فقال الإمام: "انّه فاسد العقیدة جداً وهو الذّی ابتدع مذهباً یقال له الّتصوف وجعله مفرّاً لعقیدته الخبیثة"[4]
الإمام الصادق عليه السلام
وفي رواية أخرى: أن رجلاً قال للإمام الصادق عليه السلام : قد كان في هذا الزمان أقوام يقال لهم الصوفية، فما تقول فيهم؟ قال الإمام: انّهم اعداءُنا فمن مال اليهم، فهو منهم ويحشر معهم. سيکون اقوام يدّعون حبّنا ويميلون اليهم ويتشبهون بهم ويلقبون انفسهم بلقبهم و يأوّلون اقوالهم. ألا فمن مال اليهم فليس منّا وإنّا منهم براء. ومن انکرهم و ردّ عليهم کان کمن جاهد الکفار بين يدي رسول الله صلي الله عليه وآله.[5] ويستفاد من هذه الرواية أنه لم يكن في المسلمين صوفية ودراويش حتى زمن الإمام الصادق عليه السلام ، ومنذ ذلك الحين وجدوا.
على أي حال فقد خاطب الإمام الصادق عليه السلام مجموعة أخرى من الصوفية وقال لهم:
" فتأدبوا أیها النفر بآداب الله عزوجل للمؤمنین واقتصروا على أمر الله ونهیه ودعوا عنکم ما اشتبه علیکم مما لا علم لکم به وردوا العلم إلى أهله توجروا وتعذروا عند الله تبارک وتعالى وکونوا فی طلب علم الناسخ من القرآن من منسوخه ومحکمه من متشابهه وما أحل الله فیه مما حرم....".[6]
المصادر
[1] . نفحات الانس، عبد الرحمن الجامي، ص 31.
[2] . طرائقالحقائق، محمد معصوم الشيرازي، ج1، ص101.
[3] . تاريخ التصوف في الاسلام، الدكتور قاسم غني، ص 19.
[4] . الاثنا عشریة، الحر العاملي، ص32.
[5] . سفینة البحار، الشيخ عباس القمي، ج 2 ص 57.
[6] . فروع الکافی، الكليني، ج 5 ص 65ـ 71.