ورد في المصادر التاريخية، عبارة" أمر فضرب له فسطاط، ثم أمر بمسك فميث في جفنة، ثم دخل الحسين فاستعمل النورة" فاستنبط منها البعض أن الإمام واثنان من اصحابه اغتسلوا وهم بحاجة الى الماء .
استنبط البعض من الروايات أن الامام عليه السلام مع اصحابه اغتسلوا وهم بحاجة الى الماء، تقول الرواية: "أمر الْحُسَيْن بفسطاط فضرب، ثُمَّ أمر بمسك فميث فِي جفنة .. ثُمَّ دخل الْحُسَيْن ذَلِكَ الفسطاط فتطلى بالنورة"[1] وبعده دخل اثنان من أصحابه فطليا بالنورة.
وفهم البعض من هذه الرواية أن الامام الحسين عيه السلام وأصحابه اغتسلوا وهم بحاجة الى شرب الماء.
والجواب على ذلك:
إن الوثائق والشواهد الدالة على عطش الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه، تتفق جميعها على أنه قبل ثلاثة أيام من استشهاد الإمام عليه السلام وأصحابه انقطعت المياه عنهم. وكان ذلك بأمر من ابن زياد لعمر بن سعد، قال له: فحل بين الْحُسَيْن وأَصْحَابه وبين الماء، وَلا يذوقوا مِنْهُ قطرة، .. قَالَ: فبعث عُمَر بن سَعْد عمرو بن الحجاج على خمسمائة فارس، فنزلوا عَلَى الشريعة، وحالوا بين حُسَيْن وأَصْحَابه وبين الماء أن يسقوا مِنْهُ قطرة، وَذَلِكَ قبل قتل الْحُسَيْن بثلاث.[2]
والشواهد التاريخية ايضا تنقل أن علي الأكبر قال"قَالَ يَا أَبَتِ الْعَطَشُ قَدْ قَتَلَنِي وَ ثِقْلُ الْحَدِيدِ قَدْ أَجْهَدَنِي فَهَلْ إِلَى شَرْبَةٍ مِنَ الْمَاءِ سَبِيلٌ "[3] وأن العباس عليه السلام ذهب نحو الفرات ليستقي الماء، وكلام الهمداني لعمر ابن سعد "هذا ماء الفرات تشرب منه الكلاب والدواب وتمنعه الحسين ابن بنت رسول الله وإخوته ونساءه وأهل بيته والعترة الطاهرة يموتون عطشا وقد حلت بينهم وبين الماء وأنت تزعم أنك تعرف الله ورسوله.[4]
مع وجود هذه الأدلة، هناك روايات تصوّر وصول الماء الى معسكر الإمام أثناء الحصار، فبعضها يقول:
" ولما اشتد عَلَى الْحُسَيْن وأَصْحَابه العطش دعا العباس بن عَلِيّ بن أبي طالب أخاه، فبعثه فِي ثَلاثِينَ فارسا وعشرين راجلا، وبعث معهم بعشرين قربة، فجاءوا حَتَّى دنوا من الماء ليلا .. وثار إِلَيْهِم عَمْرو بن الحجاج وأَصْحَابه، فحمل عَلَيْهِم العباس بن علي ونافع بن هلال فكفوهم،.. وجاء أَصْحَاب حُسَيْن بالقرب فأدخلوها عَلَيْهِ".[5]
لكن في أنساب الأشراف بعد بيان هذا الأمر قال: فبعث عمر بن سعد خمس مائة فارس فنزلوا على الشريعة وحالوا بين الحسين وأصحابه ومنعوهم أن يستقوا منه.[6]
الجمع بين الروايات المتعارضة في وصول الماء
لذلك لا يمكن الوثوق بأن معسكر الإمام أصابه العطش لمدة يومين أو ثلاثة أيام، ولا وفرة الماء في تلك الفترة.
وإذا تجاهلنا الإشكالات الواردة على الروايات وأردنا الجمع بينها، وجب أن نلاحظ هذه النقاط:
أ) كان الإمام وأصحابه على يقين من الاستشهاد، وأعدوا أنفسهم لذلك، لذا أراد الإمام أن يتحقق هذا الاستشهاد بأجمل صورة، والغسل طهارة ونقاء ويمكن الغسل بقليل من الماء.
ب) يمكن القول أنه عندما أمر الإمام بالاغتسال، كان بالإمكان توفير الماء بأي ترتيب، وبعد اشتداد منع الماء وارتفاع حرارة الهواء، واجه معسكر الإمام العطش الشديد في فترة ما بعد الظهر.[7]
[1] . تاريخ الطبري، ابن جرير الطبري، ج5، ص423.
[2] . المصدر، ج 5، ص 412.
[3] . اللهوف، السيد بن طاووس، ص113.
[4] . الفصول المهمة في معرفة الأئمة، ابن الصباغ،ج ٢،ص ٨٢١.
[5] . بحار الانوار،محمد باقر المجلسي، ج 44، ص 387.
[6] . انساب الاشراف،احمد بن يحيى البلاذري، ج 3، ص 181.
[7] . منبع المقال: https://www.islamquest.net/fa/archive/fa1426