السؤال الأوّل: ما هی عقيدة الشيعة الإماميّة الجعفريّة في الله تعالى؟

11:24 - 2015/12/19

السؤال الأوّل: ما هی عقيدة الشيعة الإماميّة الجعفريّة في الله تعالى و توحيده و ما معنى البداء الذي ينسبونه الی الله تعالى؟

ما هی عقيدة الشيعة الإماميّة الجعفريّة في الله تعالى؟

السؤال الأوّل: ما هی عقيدة الشيعة الإماميّة الجعفريّة في الله تعالى و توحيده و ما معنى البداء الذي ينسبونه الی الله تعالى؟
هذا السؤال يشتمل على فقرتين:

الجواب:
الفقرة الأُولى: عقيدة الشيعة الإماميّة في الله تعالى وفي توحيده
إنّ عقيدة المسلمين الشيعة الجعفريّة الإثنا عشريّة هي عقيدة التوحيد الحنيف التي تَرَكنا عليها رسول الله(صل‌الله‌علیه‌وآله) على المحجّة البيضاء.
وهي أنّنا نؤمن بالله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يتّخذ صاحبة ولا ولداً، ولم يكن له شريک في الملک، ولم يكن له كفواً أحدٌ.
وأنّه سبحانه متّصف بكلّ كمال يليق بذاته جلّ وعلا، لا شبيه له في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله والقول الفصل قوله تعالى:
(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) .
وأنّه سبحانه المتفرّد بالعبادة والخلق والرزق والإيجاد والإماتة والإحياء والمنع والعطاء، فمن اعتقد أنّ لله شريكاً في هذه الأفعال فهو كافر مشرک والعياذ الله، وأنّ طريق معرفته سبحانه إنّما يكون بالنظر والتفكّر في آلائه ومخلوقاته وليس بالخوض في ذاته وصفاته.
قال الإمام عليّ بن أبي طالب(علیه‌السلام): في الحَثِّ عَلَى مَعرفَةِ اللهِ تَعالى وَالتَّوحِيدِ لَهُ:
«أَوَّلُ عِبَادَةِ اللهِ مَعرِفَتُهُ، وأَصلُ مَعرِفَتِهِ تَوحِيدُهُ، وَنِظَامُ تَوحِيدِهِ نَفيُ التَّشبِيهِ عَنهُ، جَلَّ عَنْ أَنْ تَحلَّهُ الصِّفاتُ، لِشهَادَةِ العُقُولِ أنَّ كُلَّ مَنْ حَلّتْهُ الصِّفاتُ مَصنُوعٌ، وَشَهادِةِ العُقُولِ أَنَّهُ جَلَّ جَلالُهُ صَانعٌ لَيسَ بِمَصنُوعٍ، بِصُنْعِ اللهِ يُستَدلُّ عَلَيهِ، وَبِالعُقُولِ تُعتَقَدُ مَعرِفَتُهُ، وَبِالنَّظرِ تَثبُتُ حُجَّتُهُ جَعَلَ الخَلقَ دَلِيلاً عَلَيهِ فَكَشَفَ بِهِ عَنْ رُبُوبِيَّتِهِ، هُوَ الوَاحدُ الفَردُ فِي أَزلِيَّتِهِ لا شَرِيکَ لَهُ فِي إِلَهِيَّتِهِ، وَلا نِدَّ لَهُ فِي رُبُوبِيَّتِهِ، بِمُضَادِّتِهِ بَينَ الأَشيَاءِ المُتَضَادَّةِ عُلِمَ أَنْ لا ضِدَّ لَهُ، وَبِمُقَارَنَتِهِ بَينَ الأُمُورِ المُقتَرِنَةِ عُلِمَ أَنْ لا قَرِينَ لَهُ»
وقال الشيخ أبوجعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويهw (م386 هـ ق) وهو من أكبر علماء الشيعة:
«اعلم أنّ اعتقادنا في التوحيد أنّ الله تعالى واحد أحد، ليس كمثله شيء، قديم لم يزل ولا يزال، سميع، بصير، عليم، حكيم، حي قيّوم، عزيز، قدّوس، قادر، غنيّ، لا يوصف بجوهر، ولا جسم ولا صورة، ولا عرض، ولا خطّ ولا سطح، ولا ثقل ولا خفّة، ولا سكون ولا حركة، ولا مكان ولا زمان وأنّه تعالى متعالٍ عن جميع صفات خلقه، خارج عن الحدّين: حدّ الإبطال، وحدّ التشبيه. وأنّه تعالى شيء لا كالأشياء، أحد، صمد، لم يلدْ فيورث، ولم يُولد فيشارک، ولم يكن له كفوٌ أحد ولا ند ولا ضد ولا شبه ولا صاحبة ولا مثل ولا نظير ولا شريک، لا تُدرِكُهُ الأبصارُ والأوهامُ وهو يُدركها، لا تأخُذُهُ سِنةٌ ولا نَومٌ.. وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ، خَالقُ كُلِّ شيءٍ، لا إله إلّا هُو، لَهُ الخَلقُ وَالأمرُ تَبارکَ اللهُ رِبُّ العَالَمِينَ. ومَن قال بالتشبيه فهو مشرک، ومن نسب إلى الإماميّة غير ما وصف في التوحيد فهو كاذب، وكلّ خبر يخالف ما ذكرت في التوحيد فهو موضوع مخترع، وكلّ حديث لا يوافق كتاب الله فهو باطل».
هذه هي عقيدة الإماميّة في توحيد الله المجمع عليها عندهم على سبيل الإيجاز والاختصار ممّا هو مبسوط في أُمّهات كتبهم، مثل الخطبة الأُولى للإمام عليّ بن أبي طالب(علیه‌السلام) في نهج البلاغة.

­­­­­­الفقرة الثانية: عقيدة البداء
الجواب:
یقال: أنّ الشيعة يقولون بالبداء في حقّ الله تعالى: فما هو البداء؟ البداء هو نسخٌ أو تغيير أو تبديل لأمر قضا الله تعالى على عبدٍ من عباده، لسببٍ أو عملٍ علمه الله تعالى أزلاً؛ مثل: الإغناء بعد الافتقار، والإسعاد بعد الإشقاء، والمعافاة بعد الإمراض، والتوسعة في الرزق بعد التقتير، بأسباب توجب ذلک وأعمال تقتضيه، وكلّ ذلک كان في علم الله تعالى...الخ.
وهذا المعنى لا يتعدّى مفهوم قوله تعالى: (يَمْحُوا اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ)، كما قال تعالى: (...وَبَدَا لَهُمْ مِنْ الله مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ).
والبداء يتصوّرفي مقامين:
1. البداء ثبوتاً:
البداء في مقام الثبوت أي في مقام الواقع وتغيير المقدّرات بأسباب خاصّة، البداء ثبوتاً هو إمكان أن يبدّل الله ما قدّره لعبد من مرض أو موت أو مصيبة بشفاء واستمرار حياة وسعادة بسبب عمل صالح عمله العبد، كدعاء أو صدقة أو صلة رحم؛ وكذلک بالعكس، إذ ليس ما قدّر، تقديراً محتوماً غير قابل للتغيير والتبديل، والله قادر علی التغییر.
والبداء بهذا المعنى، أصل تربويّ يبعث في الإنسان روح العزيمة على إصلاح حاله في المستقبل، إذا كانت سيّئة فيما مضى، فهو كأنّه مصباح رجاء ينوّر الطريق له، ليسلک طريق الصلاح، بعد ما كان سالكاً طريق الهلاک حتّى يبدو له غيره.
فالقائل بالبداء وإنّ في مقدرته طلب تبديل ما قدّر من الله بعمله الصالح،  إنسان راجٍ يبعثه رجاؤه إلى العمل الصالح ملبّياً قوله تعالى:
(قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) .
2. البداء إثباتاً
المراد من وقوع البداء إثباتاً هو إمكان إخبار النبيّ أو الولي عن حادث أو أمر في المستقبل بتعلّم و إخبار من الله لوجود المقتضي لها، ولكنّه لم يقع لأجل وجود المانع عن تأثير المقتضي، فيكون المخبر صادقاً في إخباره لوجوده في لوح المحو والإثبات، غير أنّ النبي(صل‌الله‌علیه‌وآله) حسب المصالح لم يكن واقفاً على المانع الذي يمنع عن تأثير المقتضي، فربّما يخبر الله نبيّه بالتقدير الأوّل، ولا يخبره بالتقدير الثاني الذي خصّه الله في علمه، كما أمر إبراهيم(علیه‌السلام) بالذبح ولم يخبره حينئذٍ بالفداء والانصراف عن الذبح، ونظيره إخبار يونس(علیه‌السلام) عن نزول العذاب ومع ذلک لم ينزل، لأنّ قومه تابوا عن ذنوبهم فصار هذا مانعاً من نزول العذاب.
توضيح ذلک: أنّ لله سبحانه في مقام علمه الفعلي لوحين (التعبير باللوح من باب التشبيه) أي ما قدّر الله تعالى على الخلق يكون على قسمين:
القسم الأوّل: اللوح المحفوظ والقضاء المحتوم الذي لا يتطرّق إليه التغيير، فيرجع إلى الحقائق الثابتة التي أخبر بها الكتاب الكريم والسنّة النبويّة غير قابلة للتبديل، نظير قوله تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَهُ المَوْتِ)، وقد أشار إليه سبحانه بقوله: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الاْرْضِ وَلاَ فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِکَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ).
القسم الثاني: لوح المحو والإثبات والقضاء غير المحتوم، فهو عبارة عن كلّ تقدير يرجع إلى سعادة الإنسان وشقاوته فرداً أو قوماً قابلاً للتبديل حسب ما تتعلّق به إرادته تعالى فيكتب فيه التقدير الأوّل، وهو وإن كان بظاهره مطلقاً وظاهراً في الاستمرار إلّا أنّه مشروط، فإذا تغيّرت الشروط انتهى أمر التقدير الأوّل وحان وقت التقدير الثاني، وإلى هذا اللوح أشار سبحانه بقوله :
(يَمْحُوا اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ) .
وقد وردت كلمة البداء صراحة في صحيح البخاري في حديث الثلاثة: عن أبي هريرة أنّه سمع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إِنَّ ثَلاثَةً فِي بَنِي إسْرَائِيلَ أبْرَصَ وأَقرَعَ وأَعمى بَدا للهِ أَنْ يَبتَلِيَهُمْ، فَبَعَثَ إِلَيهِم مَلَكاً، فأَتىْ الأبرَصَ، فَقَالَ: أَيُّ شيءٍ أَحبُّ إِلَيکَ؟ قَالَ: لَونٌ حَسَنٌ وَجِلْدٌ حَسَنٌ، قَدْ قَذِرَنِي النَّاسُ، قَالَ فَمَسَحَهُ، فَذَهَبَ عَنْهُ، فأُعطِيَ لَوناً حَسَناً وَجِلداً حَسَناً... إلى آخر الحديث» .
لا شکّ أنّ إطلاق البداء على الله سبحانه بالمعنى اللغوي، (إخباره بشيء ثمّ يظهر له خلافه) غير صحيح، و وصفه سبحانه به إنّما هو من باب المشاكلة، وهو باب واسع في كلام العرب، فإنّه سبحانه يعبّر عن فعل نفسه في بعض الموارد بما يعبّر به الناس عن فعلهم، وما ذلک إلّا لأجل المشاكلة الظاهريّة بين الفعلين، وإليک نماذج من هذا النوع من الاستعمال:
يقول سبحانه: (يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ...) . فنسبة الخدعة إلى الله كناية عن إبطال خدعتهم ومكرهم.
والبداء في الحقيقة هو إظهار من الله للناس شيئاً كانوا يعلمون خلافه، ولكنّه يتوسّع كما يتوسّع في غيره من الألفاظ ويقال: بدا لله والمقصود أنّ الله أبدى لهم وأظهر ما كان خفي عنهم.
وبذلک يعلم أنّ النزاع في البداء أمر لفظي لا معنوي، وأنّ الفريقين متّفقان على البداء ثبوتاً وإثباتاً، والذي صار سبباً لإنكار البداء والطعن على الشيعة به هو تصوّر أنّ المراد منه هو الظهور بعد الخفاء لله تبارک وتعالى عمّا يقول الظالمون، وقد عرفت أنّ المراد هو الإظهار بعد الإخفاء وأنّ إطلاق البداء في المقام من باب المشاكلة. فالبداء في عالم التكوين كالنسخ في عالم التشريع، فما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة، إنّما هو في علم الله تعالى قبل أن يخلق الخلق.
أمّا القول بأنّ البداء هو ظهور علمٍ جديدٍ لله تعالى لم يكن يعلمه فهو الكفر بعينه والعياذ بالله، ولا يقول به مسلم من الشيعة والسنّة. يقول الإمام الصادق(علیه‌السلام):
«مَن زعمَ أنّ الله تعالى بدا لهُ في شيءٍ بداء ندامة فهو عندنا كافر بالله العظيم».
وقال(علیه‌السلام):
«مَن زعمَ أنّ الله تعالى بدا لهُ في شيء ولم يعلمه أمس فإنّني أبرأ منه». لأنّه خلع ربقة الإسلام عن عنقه.
هذا ما نصّ عليه علماء الشيعة الأعلام؛ مثل الشيخ الصدوق أبوجعفر محمّد بن علي في اعتقادات الإماميّة، والشيخ العلّامة كاشف الغطاءw في أصل الشيعة وأُصولها، والسيّد الخوئي رحمه الله وغيرهم من أعيان الإماميّة.
وعن أبي عثمان النهدي أنّ عمر بن الخطاب كان يطوف بالبيت وهو يبكي ويقول:
«اللّهم إن كنت كتبتني في أهل السعادة فأثبتني فيها، وإن كنت كتبتني في أهل الشقاوة والذنب فامحني وأثبتني في أهل السعادة والمغفرة فإنّک تمحو ما تشاء وتثبت، وعندک أُمّ الكتاب» .
وهذا هو البداء حقّاً.
وقال ابن مسعود:
«اللّهم إن كنت كتبتني في السعداء فأثبتني فيها، وإن كنت كتبتني في أهل الأشقياء فامحني من الأشقياء واكتبني في السعداء، فإنّک تمحو ما تشاء وتثبت، وعندک اُم الكتاب» .
وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال: سمعت النّبي(صل‌الله‌علیه‌وآله) يقول:
«مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُِبسَطَ لَهُ فِي رِزقِهِ وَيُنسأ لَهُ فِي أَثَرهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ».
وقد ورد في الحديث قوله(صل‌الله‌علیه‌وآله):
«لا يَردُّ القَضاءَ إِلّا الدُّعاءُ، وَلا يَزيدُ فِي العِمرِ إلّا البرّ» .

Plain text

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a> <em> <strong> <span> <blockquote> <ul> <ol> <li> <dl> <dt> <dd> <br> <hr> <h1> <h2> <h3> <h4> <h5> <h6> <i> <b> <img> <del> <center> <p> <color> <dd> <style> <font> <u> <quote> <strike> <caption>
  • تتحول مسارات مواقع وب و عناوين البريد الإلكتروني إلى روابط آليا.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
2 + 2 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.