الأهداف المشئومة في الأمس أرغمت شاه البهلوي الأول بمنع الحجاب. الفرمان الذي أبدى خلاله عن عداوته للديانة. أما اليوم فيسعى الأعداء بنفس الطريقة القديمة لنيل هدف أبشع.
في القرآن الكريم لم ترد آية في الكثير من الفروع. من باب المثال؛ عدد ركعات الصلاة وكيفية إقامة الصلاة لم ترد في القرآن الكريم. وفي الكثير من المواضيع، وردت آية واحدة فقط؛ كالخمس الذي ورد في الآية الثامنة من سورة الأنفال فقط. ولكن في هذا البين، ورد الحجاب بصورة صريحة و واضحة في ثلاث آيات على الأقل. وطريقة الستر، طريقة العمل وحتى تكلم السيدة المسلمة، مذكور في القرآن الكريم بصورة مفصلة وكاملة. ولكن مع كل هذه الأهمية، نرى العداوة في قضية الحجاب من الأمس وحتى اليوم. ولكن لماذا؟
نتيجة للحجاب
إن الله تبارك وتعالى يخاطب جميع نساء المسلمين في سورة النور المبارکة، ويوصيهن بأمور ويأمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يُنبئ النساء في المجتمع الإسلامي بهذه الوصايا. يقول الله تبارك وتعالى:
«وَ قُلْ لِلْمُؤْمِناتِ یَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَ یَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَ لا یُبْدینَ زینَتَهُنَّ إِلاَّ ما ظَهَرَ مِنْها وَ لْیَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُیُوبِهِنَّ وَ لا یُبْدینَ زینَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنی إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنی أَخَواتِهِنَّ أَوْ نِسائِهِنَّ أَوْ ما مَلَكَتْ أَیْمانُهُنَّ أَوِ التَّابِعینَ غَیْرِ أُولِی الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذینَ لَمْ یَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ وَ لا یَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِیُعْلَمَ ما یُخْفینَ مِنْ زینَتِهِنَّ وَ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمیعاً أَیُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» [1]
في هذه الآية الشريفة، يُبين الله جل جلاله مدى طريقة عمل النساء المسلمات؛ يذكر مدى ستر النساء و وجوب إستعمالهن المناديل الطويلة وكذلك محارم النساء. في نهاية الآية الشريفة، يقول الله تبارك وتعالى أن طريقة العمل هذه والمحافظة على الحدود، مقدمة للفلاح ونجاح المسلمين في الدنيا والآخرة؛ الأمر الذي لربما لم ينتبه له إلا القليل: «لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» [2]
طبقا لهذه الفقرة من الآية، لو أراد المجتمع أن يتغلب على المستكبرين، يحفظ إستقلاله، لايخنع للقوة، يكون له إقتصاد حيّ، يُروّج الثقافة الإسلامية في العالم ويصبح القوة الأولى في العالم، يجب أن يكون الحياء والعفة ثابتة في المجتمع. لو أن زينة النساء وشكل ملابسهن، يتسبب في إثارة الغرائز الجنسية ويسوق بالنساء إلى الإستعراض؛ فلن تبقى طاقة لممارسة تلك المواضيع الأساسية. عندها لن يهتم أحد لبلده وطموحاته الدينية.
شاهدا حيا
شكيب أرسلان في كتابه تأريخ غزوات العرب في فرنسا وسويسرا وإيطاليا وجزائر البحر المتوسط:
فما رسخت أقدام العرب في إفريقية حتى فكروا في عبور بحر الزقاق الفاصل بين إفريقية وأوربة، وكان ذلك سنة ٧١٠م (92 هجري) وأمير إفريقية من قبل الخليفة هو موسى بن نصير من أهل الحجاز، كانت فيه همة الشبان. فجرب موسى التجربة الأولى ببعض برابر أجازهم إلى طريفة فلم يصادفوا مقاوما فاشتد بذلك عزم موسى. وفي السنة التالية (٧١١ )جرد تجريدة جديدة اثني عشر ألف مقاتل كان أكثرهم من البربر عقد عليهم لطارق بن زياد، فهزم طارق بهذا الجيش الصغير جيش القوط كله، وفي أقل من سنة تم لطارق فتح قرطبة ومالقة وطليطلة، فلما بلغ موسى بن نصير ما فتحه الله على يد طارق هاج أشد هياج للأخذ بنصيبه من هذا الفتح، وأقبل بجيشه وفتح بلدانًا أخرى. وإن مؤرخي العرب متفقون على أن موسى بن نصري وصل بغزواته إلى فرنسة. و أقيمت الحكومة الإسلامية هناك؛ الحكومة التي إستمرت حتى سنة 897 من الهجرة. [3]
إن العرب نزلوا ببلدة ماجلون، ضاحية مونبيليه، وأقاموا بها مدة من الزمن إلى أن أجلاهم عنها شارل مارتل وأحرقها حتى لا يعودوا إليها وكانوا في أثناء وجودهم فيها يبيعون بعض الكتب الطبية، ثم جاء منهم أطباء وصاروا يمارسون حرفة التطبيب، ثم ذكر من الأطباء أسماء بعض اليهود الذين تلقوا الطب العربي مثل صموئيل بن طيبون وناتان بن زكريا، وأسماؤهما منقوشة على لوحة الأستاذية بمدخل كلية الطب. [4]
ولكن هذه الحكومة زالت. يقال أن دليل إبادة هذه الحضارة الأصيلة، إنتشار الفساد الأخلاقي.
في باب بدأ هذا الفساد، يُقال أن مسيحيي شمال أندلس، عقدوا إتفاقيات مع الحكام المسلمين بأن يجوزوا لهم إنشاء أماكن ترفيهية، مدارس وأن يتمكنوا من التجارة بين المسلمين؛ في مدارسهم، ألقوا الفكرة المسيحية في أذهان أطفال المسلمين؛ وبجعلهم الفتيات المسيحيات الجميلات يَتجولن في الأماكن الترفيهية، يجتذبون شبان المسلمين إلى تلك الأماكن ثم بإشاعتهم بيع وشراء المشروبات المسكرة، يعملون على إبعاد المسلمين من معتقداتهم الدينية. وبهذا أشاعوا الفساد في المجتمع الإسلامي كله وجعلوه أجوفا. ولذا سلبوا من المسلمين مقاومتهم. [5]
من الأمس و حتى اليوم
كان رضاشاه بالأمس خائفا من ديانة الناس. الديانة التي لو كانت باقية، لإنتزعت منه الحكومة. الديانة التي لاتسمح للمسلم أن يكون تابعا للكفار أبدا. رضاشاه أيضا من أجل إكمال متعته في الحياة الدنيا وإبقاءه هذه العِشرة كميراث لمن بعده، كان عليه أن يقوم بفعل شيء ما. فهو كان يعلم أن الدين في المجتمع، يكون أكبر تهديد لحكومته. قام بجعل العلماء في نقطة ضَعف؛ أخذ مسئولية التعليم الرسمي، القضاء ومتابعة أمر الأوقاف من الولاة الدينيين. أساسا عمل بكل ما أمكنه لتعجيز وإبادة الدين من المجتمع؛ من منع إقامة مجالس عزاء أهل البيت (عليهم السلام) وحتى توحيد ملابس الرجال ومنع الحجاب للنساء. [6]
اليوم أيضا يعلم الجميع أن العفة والنزاهة في المجتمع، تُعد أكبر ضرورة من أجل حفظ الحكومة الإسلامية. لو أن رضاشاه إتخذ تلك القرارات خوفا من إستبدال حكومته البهلوية مع حكومة إسلامية، فاليوم أعداء الإسلام وخاصة أعداء الشيعة، بترويجهم الفساد في الحكومة الإسلامية يسعون لتبدل النظام الإسلامي؛ ومجتمعنا هذا بمحافظته على الحجاب والعفة، يجب أن يقابل الفساد الشخصي والإجتماعي ليُسلّم هذه الثورة الإسلامية إلى صاحبها الحقيقي المهدي من آل محمد (عجل الله تعالى فرجه الشريف).
الكلام الأخير
حجاب النساء، يضمن محافظة المجتمع من الشذوذ. الشذوذ التي تعرقل حركة النظام وتجر الرجال والنساء إلى مسائل أودت بحكومة أندلس الإسلامية إلى الإبادة. يجب أن نكون متيقظين و أن لانكرر خطأ أولئك الكبير مرة أخرى.
المصادر
[1] النور،۳۱
[2] النور،۳۱
[3] شكيب أرسلان، تأريخ غزوات العرب في فرنسا وسويسرا وإيطاليا وجزائر البحر المتوسط، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، ص35-36
[4] شكيب أرسلان، تأريخ غزوات العرب في فرنسا وسويسرا وإيطاليا وجزائر البحر المتوسط، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، ص237
[5] بررسى عقايد و اديان(دراسة العقائد و الأديان)، مصطفى نوراني أردبيلي، نشر مكتب اهل البیت، ص ۲۹۱
[6] خاطرات و خطرات(ذكريات و مخاطر)، مهدي قلي هدایت، ص ۴۴۸