المعروف عند عامة الشيعة رضّ الجسد الشريف للإمام الحسين (عليه السلام) بواسطة خيل الأعداء ولكن بعض الأعلام كالعلامة محمد باقر المجلسي أنكر ذلك، بل عدّها فِريَةً أموية، يُراد منها النيل من الإمام وإضفاء الضبابية على مقامه الشريف.
إنّ من الفجائع الأليمة التي وقعت في اليوم العاشر من المحرَّم هي فاجعة رضّ الجسد الشريف بواسطة خيل الأعداء، حيث أمر عمر بن سعد مجموعة من الخيّالة بأن يطأوا جسد الحسين (عليه السلام) تلبيةً لأمر عبيد الله بن زياد، مكمِّلين بذلك أفجع الصور التي رسموها في يوم عاشوراء. وهذا هو الثابت والمعروف عند عامّة الشيعة، وعليه الأدلّة العديدة والنقولات التاريخيّة الكثيرة ـ سواء عند الشيعة أم عند العامّة ـ حيث إنّ الأعداء بعد قتلهم الإمام الحسين (عليه السلام)، وبعد الهجوم على خيامه، وترويع النساء والأطفال، انتدبوا خيلاً تُعرَف بالخيل الأعوجيّة؛ لتطأ جسد الإمام الحسين (عليه السلام).
رغم الوضوح في ثبوت هذه الفاجعة المريعة، نجد أنّ بعض الأعلام أنكر ذلك، بل عدّها فِريَةً أموية، يُراد منها النيل من الإمام وإضفاء الضبابية على مقامه الشريف، بعد ما أذاعوا عليه أنّه طالبٌ للمُلك، ومُفسد في الأُمّة، ومن ثَمَّ تحليل دمه وقتله مع أهل بيته في ملحمة مفجعة، لا يزال صداها يصم آذان التاريخ بأجياله المتعاقبة.
ومن هؤلاء العلماء الذين أنكروا وقوع هذه الحادثة العلّامة محمد باقر المجلسي؛ حيث قال: «إنّ ما ذكره الخاصّة والعامّة من وقوع هذا الأمر الفظيع لا أصل له».[1] ويقصد بهذا الأمر حادثة الهجوم على الجسد الشريف.
استند المجلسي (رحمه الله) في نفيه هذا على رواية الكليني المنقولة عن فضّة خادمة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، والرواية هي: الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو كُرَيْبٍ وَ أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ أَبِيهِ إِدْرِيسَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَوْدِيِّ قَالَ: لَمَّا قُتِلَ الْحُسَيْنُ ع أَرَادَ الْقَوْمُ أَنْ يُوطِئُوهُ الْخَيْلَ فَقَالَتْ فِضَّةُ لِزَيْنَبَ يَا سَيِّدَتِي إِنَّ سَفِينَةَ كُسِرَ بِهِ فِي الْبَحْرِ فَخَرَجَ إِلَى جَزِيرَةٍ فَإِذَا هُوَ بِأَسَدٍ فَقَالَ يَا أَبَا الْحَارِثِ أَنَا مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ ص فَهَمْهَمَ بَيْنَ يَدَيْهِ حَتَّى وَقَفَهُ عَلَى الطَّرِيقِ وَ الْأَسَدُ رَابِضٌ فِي نَاحِيَةٍ فَدَعِينِي أَمْضِي إِلَيْهِ وَ أُعْلِمُهُ مَا هُمْ صَانِعُونَ غَداً قَالَ فَمَضَتْ إِلَيْهِ فَقَالَتْ يَا أَبَا الْحَارِثِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ ثُمَّ قَالَتْ:أَ تَدْرِي مَا يُرِيدُونَ أَنْ يَعْمَلُوا غَداً بِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع يُرِيدُونَ أَنْ يُوطِئُوا الْخَيْلَ ظَهْرَهُ قَالَ فَمَشَى حَتَّى وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى جَسَدِ الْحُسَيْنِ ع فَأَقْبَلَتِ الْخَيْلُ فَلَمَّا نَظَرُوا إِلَيْهِ قَالَ لَهُمْ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ لَعَنَهُ اللَّهُ فِتْنَةٌ لَا تُثِيرُوهَا انْصَرِفُوا فَانْصَرَفُوا.[2]
وعقّب على هذه الرواية بما تقدّم، ثمّ قال: «هي المعتمد عندي». وقال في البحار ـ بعد أن نقل خبر وطئ الخيل ـ: «أقول: المعتمد عندي ما سيأتي في رواية الكافي أنّه لم يتيسّر لهم ذلك».[3]
ثمَّ علّل ما ادُّعي من وقوع تلك الحادثة بأنّه من وضع الملاعين، حيث قال: ويمكن أن يكون ما رواه السيد بن طاوس ادّعاء من الملاعين ذلك؛ لإخفاء هذه المعجزة، وكأنّه لذلك قلَّل وَلَدُ الزنا جائزتهم؛ لعلمه بكذبهم».[4]
ثمَّ أجاب عن إشكال مقدَّر، حاصله: لو لم يكونوا فعلوا ذلك الفعل المنكر لما عاقبهم المختار عليه، فعقوبة المختار لهم تدلّ على ارتكابهم هذا الفعل الشنيع.
فأجاب بقوله: «وما فعله المختار لادِّعائهم ذلك وإن كان باطلاً، وإن كان ما فعلوه به عليه السلام قبل ذلك أفحش وأفظع منه».
وخلاصة كلامه أن الدليل على خلاف وقوع تلك الحادثة، وما ادُّعي في التاريخ هو من دسّ الأعداء الملاعين، وما كان من عقوبة المختار هو لأجل ادعائهم ذلك ولو كذباً.
وعلى كلّ حال، سواء تمّ ما ذكرناه أم لم يتمّ، يبقى رأي العلّامة المجلسي قائماً، من أنّ الله تعالى سخَّر أبا الحارث وألهمه فهم كلام فضّة (رضوان الله عليها) وحفظ الجسد الشريف من التعرِّض للسحق والوطئ.
المصادر:
[1] . مرآة العقول: ج5، ص371.
[2] . الکافی (ط-اسلامیة)، ج1، ص466.
[3] . بحار الأنوار: ج45، ص60.
[4] . مرآة العقول: ج5، ص372.