ألم يك هؤلاء من الصحابة؟!

09:36 - 2021/04/27

لا مرية في أن أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) شخصيات مميزة يتباهى بها الأمة الإسلامية بيد أن جميعهم لم يكونوا هكذا ومنهم طالح غير صالح.

عدالة الصحابة,اصحاب النبي,اصحابي كالنجوم

ممّا لا شك فيه أنّ أصحاب النبي الأكرم (صلى الله عليه و آله) لهم امتيازات خاصّة، فهم يسمعون الآيات و الوحي الإلهي من لسان رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و يرون معجزاته، و يتعلمون من درر كلامه، و يجعلون منه القدوة العملية و الأُسوة الحسنة.
و برزت بناءً على هذا شخصيات مميزة يفتخر بها العالم الإسلامي و يتباهى، و لكن المسألة المهمّة هنا، هل أنّ جميع الصحابة بدون استثناء هم أشخاص مؤمنون، صلحاء، صادقون، أمناء، و عدول، أم أنّ هناك أشخاصاً غير صالحين بينهم.
إنّ غالبية أهل السنّة يقولون: إنّ جميع الصحابة الذين عاشوا في عصر النبي (صلى الله عليه و آله) أو الذين أدركوه و كانوا معه فترة من الزمن عدول بلا استثناء، و القرآن يشهد على ذلك. و للأسف تمسك هؤلاء الأخوة ببعض الآيات القرآنيّة التي تصبّ في مصلحتهم و تغافلوا عن بقية الآيات الأخرى، الآيات التي تستثني هذا الأمر، و نحن نعلم بأنّ جميع العمومات لها استثناءات عادة.
و نحن نقول: ما هي هذه العدالة التي يبيّن القرآن المجيد خلافها في عدّة مواضع!! و من هذه المواضع ما جاء في سورة آل عمران: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا وَ لَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ‌) [1]، حيث تشير إلى الأشخاص الذين فرّوا في معركة أحد و تركوا النبي الأكرم (صلى الله عليه و آله) لوحده في مقابل الأعداء. و نستفيد من خلال هذه الآية و بشكل واضح أنّه كانت هناك مجموعة قد فرّت، و تذكر كتب التواريخ أنّ عددهم كان كبيراً، و أنّ الشيطان قد أغواهم و غلبهم بسبب الذنوب التي ارتكبوها، إذن الذنوب السابقة أدّت إلى الفرار من الزحف، و هو من الذنوب الكبيرة، مع أنّ ذيل الآية يقول: إنّ الله سبحانه و تعالى قد غفر لهم، و لكن مغفرة الله لهم بسبب النبي الأكرم (صلى الله عليه و آله) لا يعني كونهم عدولًا، و أنّهم لم يرتكبوا ذنباً، بل القرآن يصرح بأنّهم ارتكبوا ذنوباً عدّة.
و ما هي هذه العدالة التي يعرف الله سبحانه و تعالى بعضهم بعنوان «فاسق» حيث يقول: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى‌ ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ) [2].
و المعروف بين المفسرين أنّ الآية تتعلق بالوليد بن عُقبة، عند ما أرسله النبي الأكرم (صلى الله عليه و آله) و مجموعة لقبيلة بني المصطلق؛ لأخذ الزكاة، فعاد و قال: إنّهم امتنعوا عن دفع الزكاة و ارتدوا عن الإسلام، قسم من المسلمين اقتنعوا بكلام الوليد، و تهيئوا للهجوم عليهم و قطع رءوسهم، و لكن نزلت الآية الشريفة لتحذّر المسلمين بوجوب التحقيق في الخبر الذي يأتي به الفاسق، حتى لا تصيبوا قوماً بسوء و تندموا فيما بعد.
و النتيجة: أنّه و بعد التحقيق تبيّن أنّ قبيلة بني المصطلق ما زالت على إيمانها، و أنّها كانت تستعد لاستقبال الوليد، لا للهجوم على الوليد و الارتداد عن الإسلام، و لكن الوليد- و بسبب خصومته معهم- اتخذ هذا الأمر ذريعة للوشاية بهم عند رسول الله و نقل له خبراً غير صحيح.
فمع أنّ الوليد كان من صحابة النبي (صلى الله عليه و آله) بمعنى أنّه من الأشخاص الذين أدركوا رسول الله (صلى الله عليه و آله) و كانوا في خدمته، إلّا أنّ القرآن وصفه بالفاسق، فهل هذا يتفق مع عدالة جميع الصحابة؟
ما هي هذه العدالة عند ما يقوم بعضهم بالاعتراض على النبي الأكرم (صلى الله عليه و آله) حين أراد توزيع الزكاة؟ و قد نقل القرآن المجيد هذا الاعتراض في سورة التوبة: (وَ مِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَ إِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ) [3].
ما هي هذه العدالة حيث يتحدث القرآن المجيد عن حرب الأحزاب في سورة الأحزاب (وَ إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَ رَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً) [4] فبعضهم كان يتصور أنّ النبي (صلى الله عليه و آله) سيهزم في هذه المعركة، و أنّهم سيقتلون، و سيقضى على الإسلام، أو تلك الرواية التي ينقلها الشيعة و السنّة في القصّة المعروفة حين كان النبي الأكرم (صلى الله عليه و آله) يحفر الخندق فوجد صخرة و قام بتحطيمها، عندها وعدهم بفتح الشام و إيران و اليمن فقابلوا هذا الخبر بالاستهزاء.
أ لم يكن هؤلاء من الصحابة؟!
فهل نسبة هذه الأمور جميعها إلى النبي الأكرم (صلى الله عليه و آله) تتوافق مع العدالة؟
فإذا جعلنا وجداننا قاضياً فهل يقبل أن يكون هؤلاء الأشخاص عدولًا و طاهرين، بحيث لا يحق لأحد أن ينتقد أعمالهم؟
و نحن لا ننكر أنّ أكثر أصحاب و أتباع النبي (صلى الله عليه و آله) كانوا أحراراً و طاهرين، و لكن أن نعطي حكماً كلياً بأنّ جميعهم قد طهّروا بماء التقوى و العدالة، و أنّه ليس لأحد الحق في التعرض لأعمالهم بأي نقد، فهذا في الحقيقة مدعاة للحيرة بشكل فاضح.

المصادر:
[1]. سورة آل عمران، الآية 155.
[2]. سورة الحجرات، الآية 6.
[3]. سورة التوبة، الآية 58.
[4]. سورة الأحزاب، الآية 12.

Plain text

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a> <em> <strong> <span> <blockquote> <ul> <ol> <li> <dl> <dt> <dd> <br> <hr> <h1> <h2> <h3> <h4> <h5> <h6> <i> <b> <img> <del> <center> <p> <color> <dd> <style> <font> <u> <quote> <strike> <caption>
  • تتحول مسارات مواقع وب و عناوين البريد الإلكتروني إلى روابط آليا.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
1 + 8 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.