زواج المسيار

09:14 - 2021/05/08

إن أكثر المنكرين للزواج المؤقت، اضطرّوا تدريجياً و بسبب وقوع بعض الضغوطات على الشباب و غيرهم من الأشخاص المحرومين، إلى القبول بنوع يشبه الزواج المؤقت يسمى «زواج المسيار» و مع أنّهم لم يطلقوا عليه اسم الزواج المؤقت!

زواج المسيار,زواج المتعة,المتعة عند الشيعة

إن علماء الإسلام بأجمعهم يعتقدون بأنّ الزواج المؤقت كان موجوداً في عصر الرسول الكريم (صلى الله عليه و آله) لمدّة من الزمن. و بعضهم يقول: إنّ التحريم وقع في عصر الخليفة الثاني بأمر من الخليفة نفسه. جاء في الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: "مُتْعَتَانِ كَانَتَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَهَانَا عَنْهُمَا عُمَرُ، فَانْتَهَيْنَا".[1]
و يقول بعضهم: إنّ التحريم وقع في عصر الرسول (صلى الله عليه و آله)، و نحن أتباع مذهب أهل البيت (عليهم السلام) نعتقد بأنّه لم يحرم مطلقاً، و هو باق على حاله طبقاً للشروط.
و هناك فئة قليلة من أهل السنّة توافقنا على هذا الاعتقاد، و الأغلبية تخالفنا الرأي، و كانوا دائماً يشكلون علينا، و هو ليس محلًا للنقد، بل هو نقطة قوّة لحل الكثير من المشاكل الاجتماعية.
الكثير من الناس و خصوصاً الشبّان لا يتمكنون من الزواج الدائم، إضافة إلى أنّ الزواج الدائم بحاجة إلى مقدمات و إمكانيات و تحمل مسئوليات مختلفة، و هي غير متوفرة لدى البعض، و على سبيل المثال:
أ) الأغلبية الساحقة للشبّان لا يستطيعون الزواج في فترة الدراسة- و خصوصاً في زماننا، حيث تستمر الدراسة لفترة طويلة- لعدم وجود العمل و المسكن المناسب و لا الإمكانيات الأخرى، حتى و لو حاول الاقتصار على ما هو ضروري في حفلة الزواج (زواج بسيط) مع ذلك لا بدّ من بعض الإمكانيات كحد أدنى و هي غير متوفرة.
ب) هناك أشخاص متزوجون يتعرضون لضغوط جنسية في سفرهم للخارج، و خصوصاً عند ما يطول بهم السفر، و هم لا يستطيعون اصطحاب أزواجهم معهم، و ليس لهم القدرة على الزواج الدائم مرّة أخرى في تلك الديار.
ج) هناك أشخاص تعاني أزواجهم من أمراض مختلفة و مشاكل أخرى، و ليس لديهن القدرة على رفع حاجات أزواجهن الجنسية.
د) هناك جنود يذهبون في مهمّات طويلة الأمد لحفظ الحدود و غيرها، فقد يتعرضون إلى ضغوط جنسية بسبب بعدهم عن نسائهم. كما سنرى وقوع ذلك في عصر النبي الأكرم (صلى الله عليه و آله)، حيث حصلت نفس هذه المشكلة لكثير من جنود الإسلام ممّا أدى إلى تشريع الزواج المؤقت.
ه-) قد يتعرض بعض الرجال- و خصوصاً الشبّان- إلى مشاكل نفسية بسبب عدم اقترابهم من أزواجهم طيلة فترة الحمل؛ للظروف الخاصّة التي تصاحبها عادة.
إنّ هذه الضرورات و المشاكل الاجتماعية كانت موجودة دائماً، و ستستمر، و هي لا تختص بعصر النبي (صلى الله عليه و آله) فقط، بل قد تكون في عصرنا الراهن أشد؛ و ذلك بسبب تعدد العوامل المهيجة التي تحيط بالمجتمع الحالي.
الملفت للنظر أنّ أكثر المنكرين للزواج المؤقت، اضطرّوا تدريجياً و بسبب وقوع بعض الضغوطات على الشبّان و غيرهم من الأشخاص المحرومين، إلى القبول بنوع يشبه الزواج المؤقت يسمى «زواج المسيار» و مع أنّهم لم يطلقوا عليه الزواج المؤقت، إلّا أنّه لا يوجد أي اختلاف معه، فهو يجيز للشخص المضطر، الزواج من امرأة بشكل دائم حتى و إن نوى الطلاق بعد فترة قصيرة، و اشترط سقوط النفقة و حق المبيت و الإرث، و هو في الواقع يشبه الزواج المؤقت بشكل كبير، باستثناء الانفصال، فإنّه هنا يتحقق بالطلاق، و في الزواج المؤقت يتحقق إمّا بهبة المدّة المتبقية أو انتهاء المدّة المقررة، و لكلا النوعين من الزواج زمان محدد قد أخذ بعين الاعتبار منذ البداية.
فهؤلاء الذين ينكرون الزواج المؤقت، يقبلون بزواج المسيار، فهم و إن لم يقبلوا بعنوانه، و لكنهم في الواقع قد قبلوا به.
نعم الضرورات التي تواجه الإنسان قد تجبره على قبول الأمور الواقعية، حتى و إن اختلفت العناوين.
و بناءً على هذه النتيجة و مع إصرارهم و مخالفتهم للزواج المؤقت فهم يقومون- من حيث يعلمون أو لا يعلمون- بتمهيد الطريق للفحشاء، إلا إذا اقترحوا نوعاً آخر مشابهاً كما هو الحال في زواج المسيار، و لأجل هذا جاءت روايات أهل البيت (عليهم السلام) «لو لا مخالفتهم للزواج المؤقت الإسلامي لما ابتليَ أحد بالزنا».[2]
و مع هذا قاموا بتشويه موضوع الزواج المؤقت الذي شرّع للضرورات و تلبية حاجة المحرومين، و أظهروه بصورة قبيحة، و بهذا مهدوا لانتشار الفساد بالزنا في المجتمع الإسلامي، فهم في الواقع شركاء المذنبين في ارتكاب المعصية؛ لأنّهم منعوا الناس من الاستفادة الصحيحة من الزواج المؤقت.
و على كل حال فالإسلام وضع قانوناً يتطابق مع فطرة البشر، ليلبّي جميع الحاجات الواقعية له، و لا يمكن أن لا تدرج مسألة الزواج المؤقت في‌أحكامه، و سيتضح فيما بعد أنّ الزواج المؤقت جاء في القرآن الكريم و الأخبار النبوية، و عمل به مجموعة من الأصحاب، إلّا أنّ مجموعة أخرى تدّعي أنّ هذا الحكم الإسلامي قد نسخ، و سنرى أنّهم لا يملكون أي دليل مقنع على هذا النسخ.   

المصادر:
[1] . مسند أحمد ط الرسالة، ج22، ص 365.
[2] . يقول الإمام الصادق (عليه السلام): «لو لا ما نهى عنه عمر ما زنى إلّا شقي»، وسائل الشيعة، ج 14، ص 440، ح 24. و جاء هذا الحديث كثيراً في كتب أهل السنّة و هو قال الإمام علي (عليه السلام): «لو لا أنّ عمر نهى عن المتعة ما زنى إلّا شقي»، تفسير الطبرى، ج 5، ص 119؛ و تفسير الدر المنثور، ج 2، ص 140؛ و تفسير القرطبي، ج 5، ص 130.

Plain text

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a> <em> <strong> <span> <blockquote> <ul> <ol> <li> <dl> <dt> <dd> <br> <hr> <h1> <h2> <h3> <h4> <h5> <h6> <i> <b> <img> <del> <center> <p> <color> <dd> <style> <font> <u> <quote> <strike> <caption>
  • تتحول مسارات مواقع وب و عناوين البريد الإلكتروني إلى روابط آليا.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
20 + 0 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.