على خطى الإمام علي (عليه السلام)

09:13 - 2021/05/10

لا ينقضي العجب من الذين يصفون الشيعة بالغلوّ لأنّهم قالوا بعصمة الامام علي وسائر الاَئمّة عليهم السلام من جهة، ويرون أنّ كلّ من رأى النبي (صلى الله عليه وآله و سلم) عدول من جهة أُخرى! والعدالة ـ كما يقال ـ مَلَكَة اكتسابية تمنع الصحابي عن الوقوع في الخطأ، وأمّا العصمة فإنّها مَلَكَة نفسانية أو لطف إلهيّ تمنع المعصوم عن الخطأ.

الغلو في الامام علي,الغلو عند الشيعة,عصمة الائمة

كان شيعة علي عليه السّلام و أصحابه يعتقدون اعتقادا راسخا أن الخلافة ستكون لعلي عليه السّلام بعد وفاة النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم و ذلك لما كان يتسم به عليه السّلام من مقام و منزلة لدى الرسول صلى اللّه عليه و آله و سلم و الصحابة و المسلمين، و ظواهر الأمور و الحوادث تؤيد ذلك، باستثناء ما حدث في أيام مرضه الأخير صلى اللّه عليه و آله و سلم‌.
و لكن الذي حدث هو غير ما كانوا يتوقعونه، ففي الوقت الذي التحق النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم بالرفيق الأعلى، و لم يغسل جسده الطاهر، و لم يدفن بعد، و حينما كان أهل البيت و عدد من الصحابة منصرفين إلى العزاء، و إجراء المقدمات اللازمة له، إذ وصلهم نبأ انصراف جماعة قليلة لتعيين الخليفة بعد الرسول صلى اللّه عليه و آله و سلم، و هذه القلة التي غلبت الكثرة، قد بادرت بهذا الأمر عجالة، دون استشارة أهل البيت، و أقرباء النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم و عشيرته و صحابته الذين وجدوا أنفسهم أمام أمر واقع‌، و بعد أن فرغ الإمام علي عليه السّلام، و من معه من الصحابة (كابن عباس و الزبير و سلمان و أبي ذر و المقداد و عمّار) من دفن النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم أعلموا بالذي حدث، فرفعوا علم المعارضة، و انتقدوا القائمين بهذا الأمر، و أبدوا اعتراضهم للخلافة الانتخابية، بإقامتهم جلسات متعددة، و الجواب الذي سمعوه هو أن صلاح المسلمين كان في الذي حدث‌.[1]
فهذا الانتقاد و الاعتراض أدّى إلى انفصال الأقلية عن الأكثريّة، و اشتهر أصحاب الإمام علي عليه السّلام باسم «شيعة علي» !فالقائمون بأمور الخلافة، كانوا يسعون-وفقا للسياسة آنذاك-ألاّ يشتهر هؤلاء الأقلية بهذا الاسم، و ألاّ ينقسم المجتمع إلى أقلية و أكثرية، فكانوا يعتبرون الخلافة إجماعا، و يطلق على المعارض لها، متخلفا عن البيعة، و متخلفا عن جماعة المسلمين، و أحيانا كان يوصف بصفات بذيئة أخرى‌.
و في الحقيقة، أن الشيعة قد حكم عليها بالتخلف عن الجماعة منذ الأيام الأولى، و لم تستطع أن تكسب شيئا منذ أن أبدت معارضتها، و الإمام علي عليه السّلام لم يعلنها ثورة و حربا، رعاية لمصلحة الإسلام و المسلمين، و لفقدانه للأنصار بالقدر المطلوب، إلا أن هؤلاء المعارضين لم يستسلموا للأكثرية من حيث العقيدة، و كانوا يرون أن الخلافة و المرجعية العلمية هي حق مطلق للإمام علي عليه السّلام‌  فكان رجوعهم في القضايا العلمية و المعنوية إليه وحده، و كانوا يدعون إلى هذا الأمر .[2]
كان الشيعة يعتقدون أن ما يهمّ المجتمع أولا و قبل كل شي‌ء هو تبيان و توضيح التعاليم الإسلامية . و من ثم نشرها في المجتمع، و بعبارة أخرى هي نظرة المجتمع إلى العالم و الإنسان نظرة واقعية، و الوقوف على الواجبات و الوظائف الإنسانية (بالشكل الذي يكون فيه الصلاح الحقيقي) و القيام بها، و إن كانت مخالفة لإهوائهم و ميولهم.
هذا من جهة و من جهة أخرى فإن قيام حكومة دينية ليس إلا لتنفيذ الأحكام الإسلامية في المجتمع، و الحفاظ عليها، بحيث لا يعبد الناس إلا الله جلّ و علا. و أن يحظوا بحرّية تامة و عدالة فردية و اجتماعية، و هاتان المهمتان يجب أن تناطا إلى شخص يتسم بالعصمة و الرعاية الإلهية، إذ من المحتمل أن يتعهد هذه المسئولية أناس لم يسلموا من الانحراف الفكري و العقائدي، و لم ينزّهوا من الخيانة. و تتحول العدالة التي تمنح الحرية الإسلامية إلى ملوكية موروثة مستبدة، كملوكية كسرى و قيصر، و تتعرض التعاليم الإسلامية المنزهة إلى تحريف، كتعاليم الأديان السماوية الأخرى، و لا تكون بمأمن من العلماء الذين قد ركبوا أهواءهم.
فالشخص الوحيد الذي قد نهج نهج الرسول صلى اللّه عليه و آله و سلم في أعماله و أفعاله، و كان سديدا في سيرته، متبعا لكتاب الله تعالى و سنة نبيه صلى اللّه عليه و آله و سلم اتباعا كاملا هو الإمام علي عليه السّلام‌  .[3]
و إذا كانوا يحتجون بأن قريشا كانت تعارض حكومة علي عليه السّلام الحقة و خلافته، كان لزاما عليهم أن يوجّهوا المخالفين التوجيه الحسن، و أن يرشدوهم إلى طريق الحقّ و الصواب، كما فعلوا مع ممتنعي الزكاة، فحاربوهم، و لم يتوانوا عن أخذ الزكاة منهم، لا أن يدحضوا الحقّ خوفا من مخالفة قريش.
نعم، ان السبب الذي دفع الشيعة لمعارضة الخلافة الانتخابية، هو الخوف من عواقبها الوخيمة ألا و هي فساد و سقم الطريقة التي ستتخذها الحكومة الإسلامية، و ما يلازمها من انهدام الأسس العالية للدين. و قد أوضحت الحوادث المتتالية صحة هذه العقيدة بمرور الزمان و الأيام، أكثر فأكثر، مما أدّى بالشيعة إلى أن تكون ثابتة في عقيدتها، مؤمنة بأهدافها. علما بأنها كانت أقلية. إلا أن هذه الأقلية قد ذابت في الأكثرية ظاهرا، و لكنها بقيت تستلهم التعاليم الإسلامية من أهل البيت باطنا، و كانت متفانية في نهجها و طريقها. و في الوقت ذاته كانت تسعى في التقدم و الرقيّ، و الحفاظ على قدرة الإسلام و عظمته، فلم تبد مخالفتها علنا و جهارا. و كانت الشيعة تذهب إلى الجهاد سيرا مع الأكثرية، و لا تتدخل في الأمور العامة، و كان الإمام علي عليه السّلام يرشد الأكثرية لما فيه نفع الإسلام‌ [4]، و مصلحة المسلمين.
وأخيرا لا ينقضي العجب من الذين يصفون الشيعة بالغلوّ لاَنّهم قالوا بعصمة علي وسائر الاَئمّة عليهم السلام من جهة، ويرون أنّ كلّ الصحابة عدول من جهة أُخرى!!
والعدالة ـ كما يقال ـ بأنّها مَلَكَة اكتسابية تمنع الصحابي عن الوقوع في الخطأ، وأمّا العصمة فإنّها مَلَكَة نفسانية أو لطف إلهيّ تمنع المعصوم عن الخطأ.
وبالنظر إلى حقيقة العدالة والعصمة نعرف أنّ الفرق إنّما يكمن لا في النتيجة، بل في الطريقة...
ومعه، فلو صحّ أن يكون اعتقاد الشيعة بعصمة الاَئمّة الاثني عشر غلوّاً لكان الاعتقاد بعدالة جميع الصحابة أشدّ غلوّاً منهم!
نعم، الشيعة لا يغالون في علي عليه السلام و أبناءه الطاهرين وإنما يعتقدون بالعصمة فيهم فحسب طبقا لما قال النبي (صلى الله عليه وآله) فيهم فما يتقوله بعض المناوئين على الشيعة من أنهم يعتقدون بألوهية علي (عليه السلام) محض افتراء.

المصادر:
[1]تاريخ اليعقوبي ج 2: 10-106/تاريخ أبي الفداء ج 1: 156 و 166. 
[2]قال رسول الله صلى اللّه عليه و آله و سلم: إني قد تركت فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلّوا بعدي، أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، و عترتي أهل بيتي، إلا أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض. و قد روى هذا الحديث أكثر من 100 طريق عن 35 شخصا من صحابة الرسول الأعظم صلى اللّه عليه و آله و سلم. يراجع العبقات مجلد الثقلين-غاية المرام صفحة 211. قال رسول الله صلى اللّه عليه و آله و سلم: أنا مدينة العلم و عليّ بابها، فمن أراد العلم فليأتها من قبل بابها. البداية و النهاية ج 7: 359.
[3]البداية و النهاية ج 7: 360.
[4] تاريخ اليعقوبي صفحة 111 و 126 و 129..

Plain text

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a> <em> <strong> <span> <blockquote> <ul> <ol> <li> <dl> <dt> <dd> <br> <hr> <h1> <h2> <h3> <h4> <h5> <h6> <i> <b> <img> <del> <center> <p> <color> <dd> <style> <font> <u> <quote> <strike> <caption>
  • تتحول مسارات مواقع وب و عناوين البريد الإلكتروني إلى روابط آليا.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
5 + 0 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.