ظاهرة الغلو في الصحابة

08:26 - 2021/05/15
ظاهرة الغلو,الغلو في الصحابة,المغالاة في الصحابة

الغلو هو تجاوز الحدّ، ومنه غلا السعر: إذا تجاوز حدّه، قال سبحانه:(يا أَهْل الكِتاب لا تَغْلُوا في دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلى اللّه إِلاّ الحَق إِنّما المَسيحُ عيسَى بن مَرْيَم رَسُول اللّه وَكَلمته أَلقاهَا إِلى مَرْيَم وَرُوحٌ مِنْهُ)[1].
فالغلو في الدين في الآية ، كناية عن الغلو في رسوله، أعني: المسيح عيسى بن مريم.
فذكر سبحانه أوّلاً واقعَ المسيح وانّه كان بشراً رسولاً، لا يختلف عمّن تقدّم من الرسل، وهو كلمة اللّه التي حملتها مريم وولدتها.
ثمّ أشار ثانياً إلى أنواع غلوهم فحُلّت الآلهة الثلاثة مكان الإله الواحد، وُعّد المسيح أحد الآلهة تارة، وابن الإله أُخرى، فهذا كلّه غلو وإفراط، قال: (فَآمِنُوا بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنّما اللّهُ إِلهٌ واحدٌ سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمواتِ وَ مَا فِي الأَرْضِ وكَفى بِاللّهِ وَكيلاً)[2].
فكما أنّ الإفراط غلو وتجاوز للحد فهكذا التفريط والتقصير، والداعي إلى الأخير إمّا عجز الإنسان وعيّه عن أداء الحقّ، أو حسده وحقده.
وللإمام أمير المؤمنين حول الإفراط والتفريط كلمتان نأتي بهما: [3]
1.قال: الثناء بأكثر من الاستحقاق ملق، والتقصير عن الاستحقاق عيّ أو حسد.
2.وقال: إنّ دين اللّه بين المقصر والغالي، فعليكم  بالنمرقة الوسطى، فيها يلحق المقصر، ويلحق إليها الغالي.[4]
فالمسلم الحرّ، لايعدل عن النمرقة الوسطى، وهو يخضع للحق مكان خضوعه للملق والعاطفة، أو للبغض والحسد.
إنّ كثيراً من أهل السنّة، غالوا في حقّ الصحابة وتجاوزوا الحد، خضوعاً للعاطفة، وإغماضاً عمّا ورد في حقّهم في الكتاب العزيز والسنّة النبوية والتاريخ الصحيح، فألبسوهم جميعاً لباس العدالة ـ بل العصمة من غير وعي ـ فصاروا مصادر للدين، أُصوله وفروعه، دون أن يقعوا في إطار الجرح والتعديل، من غير فرق بين من آمن قبل بيعة الرضوان وبعدها، ومن آمن قبل الفتح أو بعده، ومن غير فرق بين الطلقاء وأبنائهم والأعراب، مع تفريق الكتاب العزيز بينهم في الإيمان والإخلاص، فالكلّ في نظرهم من أوّلهم إلى آخرهم عدول، لا يخطئون ولا يسهون، ولا يعصون .وليس هذا إلاّ نوعا من الغلو لم يعهد في أُمّة عبر التاريخ.
و هنا ـ وراء القول بعدالتهم بل عصمتهم ـ مظاهر للغلو، نشير إلى واحد منها:
يرى غير واحد من الباحثين انّ للصحابة سنّة، تُعتبر حجة يعمل بها، وإن لم تكن في الكتاب الكريم ولا في المأثور عن النبي، قال مؤلّف كتاب «السنّة قبل التدوين».
«وتطلق السنّة أحياناً عند المحدّثين وعلماء أُصول الفقه على ما عمل به أصحاب رسول اللّهـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ ، سواء أكان في الكتاب الكريم أم في المأثور عن النبيـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ أم لا. ويحتج لذلك بقوله عليه الصلاة والسلام: «عليكم بسُنّتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسّكوا بها وعضّوا عليها بالنّواجذ». وقوله أيضاً: «تفترق أُمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلّها في النار إلاّ واحدة»، قالوا: ومَن هم يا رسول اللّه؟ قال: «ما أنا عليه وأصحابي».
ومن أبرز ما ثبت في السنّة بهذا المعنى (سنّة الصحابة) حد الخمر، وتضمين الصناع، وجمع المصاحف في عهد أبي بكر برأي الفاروق، وحمل الناس على القراءة بحرف واحد من الحروف السبعة، وتدوين الدواوين... وما أشبه ذلك ممّا اقتضاه النظر المصلحي الذي أقرّه الصحابة ـ رضي اللّه عنهم ـ .
ثمّ قال: وممّا يدلّ على أنّ السنّة هي العمل المتبع في الصدر الأوّل قول علي بن أبي طالبـ عليه السَّلام ـ لعبد اللّه بن جعفر عندما جلد شارب الخمر أربعين جلدة: «كفّ. جلد رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم أربعين، وأبو بكر أربعين، وكمّلها عمر ثمانين وكلّ سنّة»[5].
روى السيوطي: قال حاجب بن خليفة شهدت عمر بن عبد العزيز يخطب وهو خليفة فقال في خطبته: ألا إنّ ما سنَّ رسول اللّه وصاحباه فهو دين نأخذ به، وننتهي إليه وماسنّ سواهما فإنّما نرجئه[6].
هذا وقد احتلّت فتوى الصحابة منزلة الآثار النبوية يأخذ بها فقهاء السنّة، يقول الشيخ أبو زهرة: ولقد وجدناهم (الفقهاء) يأخذون جميعاً بفتوى الصحابي ولكن يختلفون في طريق الأخذ، فالشافعي كما يصرح في «الرسالة» يأخذ بفتواهم على أنّها اجتهاد منهم واجتهادهم أولى من اجتهاده، ووجدنا مالكاً ـ رضي اللّه عنه ـ يأخذ بفتواهم على انّها من السنّة، الخ.
وهذا يعرب عن أنّ للصحابة حق التشريع وجعل الأحكام في ضوء المصالح العامة، مع أنّ الكتاب العزيز دلّ بوضوح على أنّ حق التشريع خاص باللّه فقط، ولا يحق لأحد أن يفرض رأيه على الآخرين.
فدفعُ زمام التشريع إلى غيره سبحانه أشبه بعمل أهل الكتاب حيث اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون اللّه. فلم يعبدوهم، بل خضعوا لهم في التحريم والتحليل فصاروا أرباباً في مجال التقنين والتشريع. [7]

المصادر:
[1] . النساء:171.
[2] . النساء:171.
[3] . نهج البلاغة: قصار الكلمات، 347.
[4] . ربيع الأبرار للزمخشري:2/63.
[5] . تدوين السنة:20، ط دار الفكر.
[6] . تاريخ الخلفاء: 16.
[7] . عدالة الصحابة بين العاطفة والبرهان، جعفر السبحاني، ج1، ص39

إنّ للصحابة عند السنة حق التشريع وجعل الأحكام في ضوء المصالح العامة، مع أنّ الذكر الحكيم دلّ بوضوح على أنّ التشريع خاص باللّه عز وعلا فقط، ولا يحق لأحد أن يفرض رأيه على الآخرين. فدفعُ زمام التشريع إلى غيره سبحانه أشبه بعمل أهل الكتاب حيث اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون اللّه، فلم يعبدوهم، بل خضعوا لهم في التحريم والتحليل فصاروا أرباباً في مجال التقنين والتشريع.

Plain text

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a> <em> <strong> <span> <blockquote> <ul> <ol> <li> <dl> <dt> <dd> <br> <hr> <h1> <h2> <h3> <h4> <h5> <h6> <i> <b> <img> <del> <center> <p> <color> <dd> <style> <font> <u> <quote> <strike> <caption>
  • تتحول مسارات مواقع وب و عناوين البريد الإلكتروني إلى روابط آليا.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
11 + 5 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.