لماذا العزاء بعد مضي أربعة عشر قرنا؟!

10:07 - 2023/07/17

إنّ الحسين عند الشيعة و العارفين بأهدافه و مقاصده ليس اسما لشخص فحسب، و إنّما هو رمز عميق الدّلاله، رمز للبطولة، و الإنسانية، و الأمل، و عنوان للدّين و الشّريعة، و الفداء و التّضحية في سبيل الحقّ، و العدالة والهداية، كما أنّ يزيد رمز للفساد و الإستبداد، و التّهتك، و الرّذيلة. 

الامام الحسين,العزاء,نعي

ثمة سؤال و هو لماذا يولي الشّيعة أهمية كبيرة بذكرى استشهاد الحسين (صلوات الله وسلامه عليه)، و يعلنون الحداد عليه، و يقيمون له المآتم طوال عشرة أيّام متوالية من كلّ سنة؟! هل الحسين (عليه السلام) أعظم و أكرم على اللّه من جدّه محمّد المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم)، و أبيه عليّ المرتضى (عليه الصلاة والسلام) يا هل ترى؟! و إذا كان ابو عبد الله الحسين (عليه السلام) إماما فإنّ جدّه خاتم الأنبياء، و أباه سيّد الأوصياء! فلماذا لا يحيي الشّيعة ذكرى وفاة النّبيّ، و شهادة الوصيّ، كما يفعلون بذكرى الحسين (سلام الله عليهم أجمعين)؟!
الجواب أنّ الشّيعة لا يفضلون ديارا على الرّسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم). إنّه أشرف الخلق قاطبة دون استثناء، و يفضلون عليّا على النّاس بإستثناء الرّسول، فقد ثبت عندهم أنّ عليّا (عليه السلام) قال مفاخرا: «أنا خاصف النّعل» [1]. أي مصلح حذاء الرّسول محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم). و قال: «لقد رأينا يوم بدر و نحن نلوذ برسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله)، و هو أقربنا إلى العدوّ، و كان من أشد النّاس يومئذ بأسا» [٢]. و قال: «دخلت على رسول اللّه و كانت له هيبة و جلال، فلمّا قعدت بين يديه أفحمت، فو اللّه ما استطعت أن أتكلّم» [٣].
أجل، إنّ الشّيعة الإماميّة يعتقدون أنّ محمّدا لا يوازيه عند اللّه ملك مقرّب، و لا يدانيه نبيّ مرسل، و أنّ عليّا خليفته من بعده، و خير أهله، و صحبه، و إقامة عزاء الحسين مظهر لهذه العقيدة، و عمل مجسّم لها، و تتضح هذه الفكرة إذا عرفنا هاتين الحقّيقتين.
إن وقعة الطّفّ كانت و ما زالت أبرز، و أظهر مأساة عرفها التّأريخ على الإطلاق، فلم تكن حربا، و لا قتالا بالمعنى المعروف للحرب، و القتال، و إنّما كانت مجزرة دامية لآل الرّسول كبارا و صغارا، ورجالا ونساء فلقد أحاطت بهم من كلّ جانب كثرة غاشمة باغية، و منعت عنهم الطّعام، و الشّراب أيّاما، و حين أشرف الجميع على الهلاك من الجوع، و العطش انهالوا عليهم رميا بالسّهام، و رشقا بالحجارة، و ضربا بالسّيوف، و طعنا بالرّماح، و لمّا سقطوا صرعى قطعوا الرّؤوس، و ووطأوا الجثث بحوافر الخيل، مقبلين و مدبرين، و بقروا بطون الأطفال، و أضرموا النّار في الأخبية على النّساء؛ فجدير بمن والى نبيّه الأكرم، و أهل بيته أن يحزن لحزنهم، و أن ينسى كلّ فجيعة و رزية إلّا ما حلّ بهم من الرّزايا، و الفجائع معدّدا مناقبهم، و مساوي‌ء أعدائهم ما دام حيّا. والشريف الرضي (رضي الله تعالى عنه) يقول في ذلك:
كَربَلا لا زِلتِ كَرباً وَبَلا / ما لَقي عِندَكِ آلُ المُصطَفى
كَم عَلى تُربِكِ لَمّا صُرِّعوا / مِن دَمٍ سالَ وَمِن دَمعٍ جَرى
كَم حَصانِ الذَيلِ يَروي دَمعُها / خَدَّها عِندَ قَتيلٍ بِالظَما
تَمسَحُ التُربَ عَلى إِعجالِها / عَن طُلى نَحرٍ رَميلٍ بِالدِما
وَضُيوفٍ لِفَلاةٍ قَفرَةٍ / نَزَلوا فيها عَلى غَيرِ قِرى
لَم يَذوقوا الماءَ حَتّى اجتَمَعوا/ بِحِدى السَيفِ عَلى وِردِ الرَدى
إنّ الحسين عند شيعته، و العارفين بأهدافه و مقاصده ليس اسما لشخص فحسب، و إنّما هو رمز عميق الدّلاله، رمز للبطولة، و الإنسانية، و الأمل، و عنوان للدّين و الشّريعة، و الفداء و التّضحية في سبيل الحقّ، و العدالة والهداية، كما أنّ يزيد رمز للفساد و الإستبداد، و التّهتك، و الرّذيلة، فحيثما كان و يكون الفساد، و الفوضى و انتهاك الحرمات، و إراقة الدّماء البريئة، و الخلاعة، و الفجور، و سلب الحقوق و الطّغيان فثمّ اسم يزيد و أعمال يزيد، و حيثما كان و يكون الثّبات و الإخلاص و البسالة و الفضيلة و الشّرف فثمّ اسم الحسين و مبادى‌ء الحسين (صلوات الله وسلامه عليه). [٤]

المصادر:
[١] شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج ١٣، ص ٢٢٨.
[٢] مسند أحمد، أحمد بن حنبل، ج ١، ص٨٦.
[٣] البداية و النّهاية، ابن كثير، ج ٣، ص ٤١٨.
[٤] الحسين وبطلة كربلاء، الشيخ محمد جواد مغنية، ص ١٩.

Plain text

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a> <em> <strong> <span> <blockquote> <ul> <ol> <li> <dl> <dt> <dd> <br> <hr> <h1> <h2> <h3> <h4> <h5> <h6> <i> <b> <img> <del> <center> <p> <color> <dd> <style> <font> <u> <quote> <strike> <caption>
  • تتحول مسارات مواقع وب و عناوين البريد الإلكتروني إلى روابط آليا.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
13 + 6 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.